حوار

الأستاذ اعلي خداوي : القرار الملكي السامي بترسيم السنة الأمازيغية بمثابة انطلاقة جدية لتصحيح تاريخ المغرب

بحلول 13 يناير تبدأ الحياة الفلاحية والزراعية الجديدتين فتقام الاحتفالات في البيوت الأمازيغية تبركا وتيمنا بحلول السنة الجديدة التي ينتظر منها السكان ان تكون ممطرة ليعم الرخاء والوفرة

 في حوار ممتع يأخذنا الأستاذ اعلي خداوي الباحث في الانتربولوجية الامازيغية في رحلة مشوقة حول دلالات الاحتفال بـ أغف ن يناير أو “ئيض سكاس” وطقوس الاحتفال به والمرجعيات المختلفة بشأن تاريخ الاحتفال به ، رابطا حدث الاحتفال ب يناير بجوانب اقتصادية وبالأرض والحرث والحصاد وتمني سنة ممطرة.

 ويتحدث خدواي في ذات الحوار عن الأكلات التي تعد في ذلك اليوم والذي يختلف تاريخة من منطقة لأخرى ، حيث يتم الاحتفال به في أيام 11 و12و13 وحتى 14، وبينما تستمر الاحتفال به لعدة أيام في بعض المناطق .

 نص الحوار :

نطلع هذه السنة للاحتفال برأس السنة الأمازيغية رسميا بعد القرار الملكي باعتبار يناير عيدا وطنيا ، كيف ترى ذلك ؟

  القرار الملكي الذي رسم السنة الامازيغية قرار مهم جدا يندرج في فلسفة خطاب اجدير الذي يرمي الى اعادة الاعتبار للأمازيغية كصلب الهوية الوطنية وذلك بإدماج كل مكوناتها في مؤسسات الدولة والفضاء العام.

هذا القرار بمثابة انطلاقة جدية لتصحيح تاريخ المغرب بشكل خاص وتاريخ شمال افريقيا بشكل عام وسيبقى في التاريخ كبصمة كبرى ،لنتذكر ان تاريخنا العريق الذي يعود الى ما قبل التاريخ قد قزم الى اثنى عشر قرنا من طرف غلاة العروبة والإسلام في تناقض صارخ مع كل المعطيات العلمية التاريخية منها والاركيولوجية  والانتربولوجية  والطوبونيمية وغيرها.

وتصحيح التاريخ كان ولا يزال من بين المطالب الأساسية للحركة الامازيغية لأنه المدخل الصحيح لكل تصحيح وكل اصلاح في كل الميادين المرتبطة بالتراث الوطني. بهذا القرار يكون الملك قد أوفى باستراتيجية التاريخية باجدير وما تلى اجدير حول مسلسل انصاف الامازيغية وإعادة الاعتبار لعمق الهوية الوطنية الذي انفتح واستقبل كل الروافد التي اغنت تراثنا الحضاري المادي والغير المادي . 

 ان هذا القرار الملكي السامي يزكي تلك الشخصية الامازيغية العميقة للمغرب ولشمال افريقيا رغم كل الروافد التي أراد لها البعض ان تحتل مكان الأصل والأرض

هل يمكن التأسيس تاريخيا لراس السنة الامازيغية؟

ملاحظة منهجية، نظرا للتهميش والاقصاء اللذين طالا الامازيغية لعقود بقي هذا الموضوع من المواضيع التي لم تنل بعد حقها من البحث والدراسة في الجامعات وغيرها من مؤسسات الدولة. لذلك نرى الكثير من الجدال حول هذا التقويم وتاريخه  وطقوسه.

– هناك عدة اختلافات حول تاريخ يناير هناك من يرجعه لانتصار جيش الليبو على الفراعنة ، وهناك من يعتبره عيدا فلاحيا مغربيا تقليديا، اي الروايات اصح؟

 ما هو مؤكد هو ان راس السنة الأمازيغية تحتفل به شعوب شمال افريقيا منذ الازل.

واذا كانت المراجع نادرة باللغة العربية حول الموضوع، فإننا نجد الكثير منها باللغات الأجنبية كالإغريقية منذ هيرودوت وغيرها تحت اقلام مختلفة لباحثين انتوبولوجيين كثيرين..

وبعودتنا إلى محاولة تحديد جذور الاحتفال ب” ئيض سكاس” أو أصله او تاريخ تأسيسه ، نجد ان الأمر ليس هينا نظرا لما يعرفه من أخذ ورد في صفوف الباحثين والمهتمين بالشأن الأمازيغيّ. فكل يقارب الحدث بطريقته الخاصة او خلفياته الأيدولوجية، ، فيفسر الاحتفال ب“ئيض سكاس” بوصول الفينيقيين إلى شواطئ شمال أفريقيا في نهاية القرن الثاني عشر قبل الميلاد، كما اسندوا حرف تيفناغ الى نفس القوم. وهذا تفسير مغلوط يتناقض مع معطيات التاريخ التي تجزم ان الحضارة الامازيغية ترجع الى ما قبل التاريخ بالأحرى وصول الفينيقيين.

كما ان هناك من يربط الاحتفال بالسنة الأمازيغية بحدث سياسي وعسكري وهو وصول “شيشونق او شيشنق ” الملك الأمازيغي الى اعلى هرم السلطة في مصر الفرعونية بعد انتصاره التاريخي غلى الملك رمسيس الثاني. و بتأسيس “شيشونق ” للأسرة الثانية و العشرين، بدأ الأمازيغ يخلدون ذكرى هذا الانتصار في ليلة كل رأس سنة حسب التقويم الجديد الذي يصل اليوم الى 2974.

  لكن من المؤكد ان السنة الفلاحية الامازيغية كانت موجودة من قبل بطقوسها  ومعها أسماء الشهور الأمازيغية المعروفة والتي تبدا ب يناير. ويناير كلمة امازيغية مكونة من “ين”  أي واحد و “ير”أي الشهر…..

 واذا تناولنا هذا الاحتفال بعيدا عن التاريخ و السياسة، نجد ان “ئيض سكاس” عبارة عن طقس مرتبط بالنمط المعيشي الرعاوي-الفلاحي للسكان وعلاقتهم الوطيدة والمصيرية بالأرض والمطر. وهذه المقاربة الانتربولوجية هي التي نجدها مثلا في كتاب جون سيرفيي الشهير”ابواب السنة الطقوس والرمزيات”.”

وهذا العنوان ترجمة حرفية للتسمية الأمازيغية “تكورين ن اسكاس”. ويقول سيرفيي ان هذا الاحتفال يقام عند انتهاء دورة فلاحية وبداية أخرى جديدة، أي: إنه بحلول 13 يناير تبدأ الحياة الفلاحية والزراعية الجديدتين فتقام الاحتفالات في البيوت الأمازيغية تبركا وتيمنا بحلول السنة الجديدة التي ينتظر منها السكان ان تكون ممطرة ليعم الرخاء والوفرة. وتذكرنا السنوات الأخيرة المطبوعة بقلة الثلوج والامطار مدى أهميتها بالنسبة لأرض تامزغا. لذلك يمكن القول ان الاحتفال براس السنة الأمازيغية يعود الى ما قبل انتصار شيشونق على رمسيس الثاني لأنه طقس مرتبط بالسنة الفلاحية وبالتالي مرتبط بتواجد الامازيغ على ارض شمال افريقيا الذي يعود الى ما قبل التاريخ. وتبقى بداية أي تقويم بداية نسبية مرتبطة بحدث ما يكون محل اتفاق.

*  كانت ولا زالت الاعياد الأمازيغية مرتبطة بالارض  والزرع والحصاد ،لماذا ؟

وترتبط جل الأعياد عند الامازيغ بالأرض والحرث والحصاد والماشية لسبب بسيط وخطير في نفس الوقت الا وهو الامن الغذائي. وبناء على مبدأ تدبير الندرة والوفرة معا طور الامازيغ قوانين وتقنيات الحرث حيث كان نصف الحقول الزراعية فقط تزرع والنصف الاخر يترك للاستراحة اسيكي واكدال … كما ابدعوا في شق قنوات الري والاستعمال العقلاني للمياه التي يديرها “امغار ن ومان” او شيخ الماء بشكل عادل ودقة تصل في بعض المناطق التي تشح فيها المياه الى عشرات الليترات للفدان… كما ابدع الامازيغ عملية الإدخار أيام الوفرة لمواجهة سنوات الجفاف وذلك بابتكار المخازن الجماعية ايكودار ، اجديرن ، الهريان … دون ان ننسى القيم التي اسسوا عليها مجتمعهم وهي كلها تسعى الى الامن الغذائي والاستقلال السياسي نظرا لارتباطهما الوثيق. لذلك محليا  اسسوا تيوزي  والديمقراطية المباشرة ووطنيا اسسوا تاضا كحلف سياسي وعسكري يضمن الاستقلال السياسي الذي يضمن بدوره الاستقرار و الامن الغذائي.  ولم يكن لهذه المؤسسات ان تنجح لو لم تقم على العدل والمساوات والتضامن والتوزيع العادل للثروة واحترام الكرامة الإنسانية.

– إضافة الى  ” تكورث ن اسكاس” باب السنة , اطلقت اسماء اخرى على الحدث حسب المناطق بل في نفس المنطقة نجد “ايض سكاس”، و”ايض ن ناير” ، و”حاكوزا” ” وبوالقيمن” وغيرها.”…

   الاحتفال بهذه المناسبة، كانت تدوم في الأصل من 3 الى سبعة أيام، الأمر الذي يفسر اختلاف التسميات وتوقيت الاحتفال من منطقة لأخرى، إذ هناك من يحتفل ليلة 11 من شهر يناير “غريغوري” أو ليلة 12 منه أو ليلة 13 أو حتى ليلة 14. وتعود ظاهرة تمديد أيام الاحتفال، حسب اعتقادي، إلى تنوع الطقوس التي تحضر في هذه المناسبة وغناها، وبتقلص هذه الطقوس تراجعت مدة الاحتفال واضحت تستغرق ليلة واحدة، في حال لم يسجل اختفاءها نهائيا، كما حصل في بعض المناطق.

تاكلا” والكسكسو، اكلات تظل حاضرة على مائدة الأمازيغ في المناسبة ، هل لهذا مرجعية معينة ؟

تاكلا تازلافث ن سكسو سبع خضاير…ولفهم كذا طقوس لا بد من وضعها في سياق الحضارة والثقافة الامازيغية وكسموكونية أهلها أي تصورهم للزمان والمكان والموت والحياة والحب. وهناك طقوس مرتبطة بءيض سكاس كطقس “اتل غنجا” او “تسليت ن انزار” أي عروسة الشتاء وهو طقس يقام في فترات الجفاف وشح الامطار يهدي فيه الشبان عروسة رمزية لا نزار طالبين منه النزول…

إن دراسة الطقوس الاحتفالية الخاصة ب”ئض سكاس” تستدعي الغوص في الميثولوجيا الامازيغية بغية فك أسرار هذه الطقوس وإزالة الغموض عن دلالاتها، و بالتالي تحليل رموزها وما تنطوي عليه من ألغاز لا يجب الاستخفاف بها لأنها هي المنبع الذي يستمد منه هذا الإحتفال قدسيته.

. ففي منطقة الأطلس قديما تبدا طقس “ئيض سكاس” عند غروب الشمس بإعداد وجبة الكسكس بالسمن وبسبعة أنواع من الخضر كشكر لانزار ولوفرة الاكل التي اتاحها للسكان أملا في أن تكون السنة الفلاحية المقبلة ممطرة وخصبة تضمن الامن الغذاءي. كما يتزين الصغار والكبار احتفالا بءيض سكاس ومرددين أغاني تنمار( ج تنميرت) او التشكرات على النعم التي انتجتها الأرض المسقاة من السماء. وقبل تقديم  تزلافت ن سكسو او تاكلا، تقوم الجدة غالبا بدس نواة تمرة داخل الكسكس وإخفاءها جيدا دون ان يراها احد. ويعد أول من عثر على نواة التمرة “بو اومنو ن أسكاس” أي سعيد الحظ للسنة..

وتقول الرواية أن من لم يشبع من أفراد العائلة في تلك الليلة سيظل جائعا طيلة السنة، كما تطلى أيادي الأطفال الصغار بالحناء كهدية رمزية لانزار، ويحكي الكبار قصصا تروي معاناة سنوات الجفاف مهيبين بالكل ان يتضامنوا مع بعضهم البعض كاحسن وسيلة لتجاوز كل الصعاب والمحن. كما يتضرعون لانزار ان يديم عليهم الشتاء ووفرة المياه حتى يكونوا في مامن من الجوع والظما وما يصاحبهما.

وهذه فقط بعض الارهاصات لان خلاصة القول اننا في حاجة مأسسة لبحوث ودراسات انتربولوجية تتناول تراثنا بموضوعية وبشمولية بعيدا عن المواقف الجاهزة والمتحجرة الناجمة عن عقود من الاحتقار والاحكام الجاهزة .

  الاسهامات الفكرية والأدبية للأستاذ أعلي خداوي

الثقافة والحضارة الامازيغية

-“ايسلي وتسليت” بين الواقع والاسطورة. تامونت. 1994

-“تيفناغ والهوية المغاربية”. منشورات امريك.  2002

– دراسة نقدية باللغة الامازيغية ل”تاسردونث ثاسفازاط” ل احمد حداشي. 1978

•       “الشعر الامازيغي بين الشفوي والمكتوب”-Edilivre- Paris  /2016

•       “تاريخ المقاومة المسلحة في الاطلس محكى بالشعر”-مركز الدراسات التاريخية والبيئية-المعهد الملكي للثقافة الامازيغية-الرباط- 2004.

•       الشعر الامازيغي والمقاومة المسلحة بالاطلس. منشورات المندوبيى السامية لقدماء المقاومين . الرباط. 2001.(كتاب جماعي).

•       “كلمات من ثلج ورمل ومحيط”. مونتريال. كندا. 2010. .(كتاب جماعي).

-« « Mots de neige, de sable et d’océan », ouvrage collectif . éd. Mémoire d’encriers, 2010, Montréal-      

          – « Mémoire et tissage au Moyen Atlas », Centre des Etudes Anthropologiques et Sociologiques, IRCAM,  2004.

                                              -« – « les arts amazighs » : 2005 ; FACEBOOK 

–  L’Etat marocain entre l’identité objective et l’identité construite »                

          -احدوس بالاطلس المتوسط.   –     2019 . فايسبوك.

           منشورات شعرية

              – « CEDRES » .          éd. Edilivre. Paris. 2016

              -« ITTO ».                  éd. Edilivre. Paris. 2016″

              -« TAMAWAYT ».  éd.Edilivre. Paris. 2017″

ديداكتيك اللغات:

Lecture et compétence de communication ». Mémoire de fin d’études ; Pub. Du C.A.D.A.P, Académie de Kénitra,

 1995 .                                                                                                                     Production écrite et didactique du français dans le secondaire ».1997

                           -« L’évaluation entre le contrôle continu et les examens ». 1998

        -« Approche critique du manuel de français dans le secondaire : cas du manuel de 1ere A.s » ; 1999                                                                                      .      

         -«Enseignement de la Langue Amazighe : pour une Approche Pédagogique  Intégrée ». 2000 ;

              –  « Enseignement de la langue amazighe : pour un Enseignement de la Civilisation. » ; 2001.                                                                                                                                  *Politique

   -Amazighité et Constitution: pour un Etat de Droit ». Pub. De l’A.M.R.E.C, Rabat. 2002.

 –       -La Charte de l’Education et la Formation ou la Discrimination  Linguistique ».

                  Pub. de l’A.M.R.E.C, 2000, (Ouvrage collectif

أظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى