
بقلم يونس ايت الحاج
مع انطلاق التحضيرات الرسمية للانتخابات التشريعية لعام 2026، تتجه الأنظار ليس فقط إلى الصناديق، ولكن إلى مصير المؤسسات الحزبية نفسها. فالمسألة لم تعد مجرّد تنافس على المقاعد، بل اختبار حقيقي لبقاء الأحزاب أو اندثارها التدريجي، في ظل تصدع عميق في العلاقة بينها وبين المواطن المغربي.
جلالة الملك، في خطاب العرش الأخير، لم يتناول الإصلاحات الانتخابية من زاوية تقنية فحسب، بل فتح ورشًا سياسياً يلامس عمق الأزمة. فالرهان اليوم لم يعد على نسب المشاركة أو التحالفات المحتملة، بل على سؤال جوهري: هل ما زالت الأحزاب قادرة على أداء دورها التاريخي، أم أنها تحوّلت إلى عبء على العملية الديمقراطية؟
وفي هذا السياق، هناك خطر استمرار الأحزاب في تكرار خطابها القديم بآليات متجاوزة، دون وعي بالتحوّلات الجارية. وأن المواطن المغربي لم يعد يرى في الأحزاب تعبيرًا عن تطلعاته، بل انتقل من علاقة ثقة مشروطة إلى علاقة نفور مبرّر.
كما أن القوانين وحدها ليست كافية لإحداث التغيير، لكنها قد تمثل “صدمة تنظيمية إيجابية” بشرط أن تتوفر الإرادة السياسية داخل الأحزاب، وتُفعّل آليات الرقابة الديمقراطية من طرف المجتمع، مع دعم ملكي يضمن مأسسة هذه الدينامية الجديدة.
هذا التحول لا يُقرأ فقط في التحليلات، بل يتجلّى في الواقع السياسي ذاته، فقد أصبحت الشبكات الاجتماعية والحركات الفئوية والفعل الفردي البديل الأبرز عن الوساطة الحزبية، ما ينذر بخطورة تحول الاحتجاج غير المؤطر إلى خيار رئيسي لدى فئات واسعة، وهو ما قد يخرج المشهد عن السيطرة.

اما من جانبه، فقد عقد وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، اجتماعين مهمين مع قادة الأحزاب السياسية في الثاني من غشت الجاري، ضمن أولى الخطوات التحضيرية للانتخابات المقبلة، حيث تعهدت الهيئات السياسية بتقديم مقترحاتها بشأن الإصلاحات المنتظرة قبل نهاية الشهر.
لكن السؤال المحوري يظل، هل هذه الأحزاب واعية فعلاً بأنها أمام “استفتاء وجودي”؟ وهل تملك الجرأة الكافية للقيام بنقد ذاتي جذري وإعادة صياغة علاقتها بالمواطن؟ أم أنها ستكتفي بمساحيق تجميل والتي بدورها لن توقف الانهيار؟
التحذيرات تتكاثف، إذا لم تعِ الأحزاب هذا التحوّل، فقد تفقد بشكل نهائي دورها كمؤسسات للوساطة، ما قد يفتح الباب أمام تفكك النظام التمثيلي برمّته، أو صعود أنماط احتجاجية غير مؤطرة، أكثر راديكالية، وأقل قابلية للاحتواء.
ما يجري اليوم ليس مجرّد موسم انتخابي عادي، بل لحظة فارقة في تاريخ العديد من الاحزاب السياسية. إما أن تنجح في تجديد نفسها جذريًا، أو تسقط في فخ الجمود وتُترك لمصيرها في ذاكرة التاريخ.
للتوصل بمستجدات الموقع كل يوم على بريدكم الالكتروني المرجو التسجيل في نشرتنا البريدية.