حوار : علي الانصاري
في الحوار التالي مع الأستاذة امل محسن الباحثة بالمرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية وبسلك الدكتوراة بمختبر السياسات الدولية والدستورية وتحليل الازمات بجامعة القاضي عياض بمراكش، ، ابراز لأهم المعايير الدولية بشأن تصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية.
وتشير الباحثة الى أن هذا التصنيف ستكون له إيجابيات وتحولات بشأن الطي النهائي لملف الصحراء، نص الحوار:
برزت مؤخرا دعوات من دول وشخصيات عالمية تدعو إلى تصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية، لماذا الان؟
إن تصاعد الدعوات لتصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية ليس وليد الصدفة، بل نتيجة تراكم مؤشرات ميدانية وارتباطات خطيرة تكشّفت خلال السنوات الأخيرة، وتفاقمت في ظل التحولات الجيوسياسية والأمنية التي يعرفها فضاء الساحل والصحراء.
- انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار لعام 1991: رغم التزام الأمم المتحدة بالإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين المغرب والبوليساريو، إلا أن هذه الأخيرة عمدت، منذ إعلان انسحابها الأحادي من الاتفاق، إلى تنفيذ عمليات مسلحة وشن هجمات على مناطق مدنية، مما يُعد خرقًا صريحًا لقواعد القانون الدولي الإنساني ولقرارات مجلس الأمن.
- عسكرة المساعدات الإنسانية: تقارير دولية عديدة نبهت إلى تحويل البوليساريو للمساعدات الإنسانية الموجهة لسكان مخيمات تندوف لتمويل أنشطتها العسكرية وتحصين بنيتها القتالية. هذا السلوك لا يمثل فقط نهبًا للمساعدات، بل انتهاكًا صارخًا لمبادئ العمل الإنساني، ويضع الجبهة في مصاف التنظيمات التي تستخدم السكان كدروع بشرية.
- التعاون مع منظمات إرهابية عابرة للحدود: أخطر ما تكشف مؤخرًا هو تورط البوليساريو في شبكات إرهابية إقليمية:
- إقامة صلات مباشرة مع حزب الله اللبناني، وحزب العمال الكردستاني.
- تلقي معدات عسكرية متطورة، من بينها طائرات بدون طيار إيرانية، عبر قنوات نقل يشرف عليها الحرس الثوري الإيراني، وبتسهيلات من النظام الجزائري.
- المشاركة في تهريب الأسلحة إلى الجماعات الجهادية الناشطة في الساحل، وهو ما يهدد ليس فقط استقرار دول المنطقة، بل أيضا مصالح الولايات المتحدة وفرنسا والقوى الإفريقية.
- تجنيد المرتزقة في النزاعات الإقليمية: أوردت صحيفة واشنطن بوست (عدد 12 أبريل 2025) تقريرًا بالغ الأهمية، نقلت فيه عن مصادر سورية وغربية أن مئات السجناء من عناصر البوليساريو جرى تجنيدهم من طرف إيران للقتال في صفوف النظام السوري. وجاء في التقرير:
خلاصة: كل هذه المعطيات تبرر تحرك برلمانيين أمريكيين وأوروبيين للمطالبة بتصنيف البوليساريو ككيان إرهابي. ولم تعد القضية محصورة في النزاع حول الصحراء، بل باتت تتعلق بالأمن الجماعي، ومكافحة تمويل وتسليح الجماعات الإرهابية عبر وسطاء إقليميين، على رأسهم إيران والجزائر.
كشفت تقارير إعلامية عن وثائق تؤكد مساهمة عناصر من الجبهة في الحرب السورية إلى جانب قوات نظام الأسد، ما مدى تأثير هذه المعطيات في إقناع دول العالم على مساندة مقترح تصنيف الجبهة حركة إرهابية ؟
وفقًا لتقرير صحيفة واشنطن بوست (12) أبريل (2025) قامت إيران بتجنيد مئات من مقاتلي البوليساريو وإرسالهم إلى سوريا عبر قنوات سرية عبر الجزائر ولبنان.
هؤلاء المقاتلون تلقوا تدريبات في مخيمات لحزب الله اللبناني، ثم تم إدماجهم في وحدات قتالية إلى جانب قوات النظام السوري خلال المعارك في حلب ودير الزور.
بعد سقوط نظام بشار الأسد، ألقي القبض على مئات من المقاتلين الأجانب، من ضمنهم مقاتلون من البوليساريو وفق ما أكدته مصادر دبلوماسية غربية للصحيفة الأمريكية.
هؤلاء المقاتلون يخضعون حاليًا للتحقيق من قبل قوات الأمن التابعة للسلطة السورية الانتقالية بتهم تتعلق بالإرهاب والمشاركة في جرائم حرب.
التقارير تثبت أن الدولة الراعية، الجزائر، استغلت الجبهة في حروب ودعم أنظمة مقابل الإبقاء على الاعتراف بها، لماذا استغلال هذا الجانب إعلاميا على المستوى الوطني؟
- سؤالك عميق ومحوري، لأنه يُلامس جوهر المعركة الجيوسياسية والإعلامية التي تحيط بقضية الصحراء. بالفعل، التقارير التي تثبت أن الجزائر استغلت جبهة البوليساريو كأداة في حروب بالوكالة (مثل سوريا)، وتوظفها لدعم أنظمة مقابل “الاعتراف بها” على الساحة الدولية، تُشكّل كنزًا استراتيجيا لم يجرِ استثماره بشكل كافٍ إعلاميًا على المستوى الوطني.
- لماذا من الضروري استغلال هذا الجانب إعلاميًا في المغرب؟
- فضح ازدواجية الخطاب الجزائري
- الجزائر تدعي الحياد في قضية الصحراء، لكنها في الواقع تموّل وتسلّح وتوظّف البوليساريو لأغراض تتجاوز ملف “تقرير المصير”. وتستخدمها كأداة ضغط إقليمي وذراع في صراعات جيوسياسية، خاصة بتحالفها مع إيران والنظام السوري. والخطاب الإعلامي الوطني يجب أن يُظهِر هذه الازدواجية للرأي العام الدولي والعربي والإفريقي
- الدول المترددة في دعم مغربية الصحراء غالبًا ما تتبنى موقفًا “إنسانيًا” أو “قانونيًا” محايدًا. لكن حين يُكشَف أن الجزائر تستخدم الجبهة كأداة تدخل عسكري في الخارج، يتحول الموضوع من “نزاع حدودي” إلى “أمن إقليمي”. هذا يُساعد في بناء ملف متكامل للمطالبة بتصنيف البوليساريو كتنظيم إرهابي.
تشير الوثائق على علاقة البوليساريو بحزب الله اللبناني وتدريب الاخير وعناصره وتزويده بالأسلحة، هل هذا كاف لاعتبار الجبهة منظمة إرهابية قانونيا؟
مجلس الأمن بموجب الفصل السابع (مادة (39) يملك صلاحية اعتبار منظمة ما تهديدًا للسلم وتصنيفها إرهابية.
القرارات الدولية مثل 1373 و 1566 تُشكل الإطار المرجعي القانوني والمعياري.

يمكن الاستناد إلى المعايير التالية : .
- استخدام العنف ضد المدنيين أو القوات الرسمية .
- ارتباط تنظيمي أو لوجيستي بجماعات مصنفة إرهابية. .
- تهديد الأمن الإقليمي والدولي .
- تنفيذ أو التحضير لهجمات عبر الحدود .
هذه الخروقات القانونية بما فيها استخدام العنف ضد المدنيين تم الوقوف على ارتكابه من لدن الجبهة الانفصالية المسماة البوليساريو عبر إقرار وشهادة الشهود الذين تم اختطافهم قسرا من طاطا والبيرات وتزويجهم قسرا. إضافة الى ارتباط مقاتلي هذه الأخيرة بالجماعات الإرهابية على مستوى دول الساحل.كل هذه الأشياء تجعل من جبهة البوليساريو منظمة ارهابية تتوفر فيها جميع الخصائص والمعاييرالدولية .
في ذات الإطار، هل هناك ما يؤكد تورط البوليساريو في علاقات مع الجماعات الإرهابية في الساحل الافريقي، كداعش الساحل مثلا؟
في 6 أبريل 2025، أصدر مجلس رؤساء دول “كونفدرالية الساحل” (مالي، النيجر، بوركينا فاسو) بيانًا رسميًا من باماكو، أعرب فيه عن إدانته الشديدة لما وصفه بـ”المواقف العدائية” للجزائر، خاصة بعد حادثة إسقاط طائرة مسيّرة تابعة للقوات المسلحة المالية على يد الدفاع الجوي الجزائري في منطقة تين زواتين الحدودية. واعتبرت الكونفدرالية هذا العمل اعتداءً مباشرًا على سيادتها وأمنها القومي، مما دفعها إلى استدعاء سفرائها لدى الجزائر للتشاور،مما اثبث عبر تقارير استخباراتية إلى تورط جبهة البوليساريو في أنشطة مشبوهة، بما في ذلك ارتباطها بجماعات إرهابية تنشط في منطقة الساحل، بالإضافة إلى تلقيها الدعم من إيران والجزائر . كما أشار معهد هدسون الأمريكي إلى أن ممارسات البوليساريو تُهدد القوات الأمريكية في منطقة الساحل، بسبب تورطها في تهريب الأسلحة إلى الجماعات الجهادية، بالإضافة إلى تلقيها طائرات بدون طيار من الحرس الثوري الإيراني عبر عمليات نقل يُسهّلها النظام الجزائري .
ما مدى تأثير هذا المعطيات على إيجاد حل نهائي لمشكلة الصحراء ؟
تصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية سيكون خطوة استراتيجية بالغة الأهمية في مسار طيّ ملف الصحراء المغربية، وسيعزز بشكل ملموس الموقف المغربي على عدة مستويات دبلوماسية وقانونية وأمنية. إليك كيف:
- إضفاء الشرعية الدولية على الموقف المغربي
تصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية يعني أن العالم لم يعد ينظر إليها كـ”حركة تحرر” بل ككيان يهدد الأمن الإقليمي والدولي.
سيمكن المغرب من تعزيز روايته أمام المنتظم الدولي بأنه يواجه ميليشيا انفصالية مدعومة من أطراف معادية، وليس طرفًا سياسيًا مشروعًا.
2.إيقاف المساعدات المالية واللوجستية بمجرد التصنيف، ستُمنع البوليساريو من تلقي أي دعم مالي، لوجستي أو سياسي من الدول والمؤسسات الدولية. الدول التي لا تزال تدعمها (مثل الجزائر أو جنوب إفريقيا) ستتعرض لضغوط دبلوماسية وربما عقوبات إن استمرت في دعم تنظيم مصنف إرهابيًا
- تعزيز الموقف المغربي في الأمم المتحدة
التصنيف سيمكن المغرب من المطالبة بإزالة ملف “الصحراء” من لجنة تصفية الاستعمار، باعتبار أن الفاعل الذي يُروّج للانفصال هو تنظيم إرهابي. سيساعد المغرب في الدفع نحو حل نهائي في إطار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، باعتباره الحل الوحيد العملي والمشروع.
- تسريع سحب الاعترافات
سيُجبر عددًا من الدول التي لا تزال تعترف البوليساريو على مراجعة مواقفها لتجنب دعم تنظيم إرهابيا مما سيُعزز مسار سحب الاعترافات الذي يعرف زخمًا كبيرًا منذ 2020.
- دعم أمني واستراتيجي دولي للمغرب
الدول الكبرى كأمريكا وفرنسا ستعزز تعاونها الأمني مع المغرب لمحاربة الامتدادات الإرهابية في منطقة الساحل. سيُصبح المغرب شريكًا إقليميًا رئيسيًا في مكافحة الإرهاب وليس فقط طرفًا في نزاع إقليمي.
- نزع الشرعية عن “تندوف” وتحميل الجزائر المسؤولية
تندوف ستُعتبر مأوى لتنظيم إرهابي، مما يُجبر الجزائر قانونيًا على تفكيك المخيمات أو تسليم قيادات الجبهة. يُمكن المطالبة بمحاكمة قادة البوليساريو أمام المحكمة الجنائية الدولية في حال ثبوت تورطهم في جرائم إرهابية.
- تحقيق تسوية نهائية للنزاع ،في ظل هذا التصنيف، لن يبقى أي إطار سياسي أو تفاوضي قائم مع تنظيم مصنّف إرهابيًا.