لم نكن نتصوّر في أقصى أحلامنا جموحاً، أن تكون المملكة المغربية، ذات يوم، ملجأً وملاذاً لأسر سودانية كاملة، بشيبها وشبابها ونسائها وأطفالها. فقد كان الوجود السوداني ـ وإلى عهد قريب ـ يتكون حصراً من الطلاب الجامعيين ونخبة من الأطر والكفاءات في شتى المجالات، بالإضافة إلى مهاجرين استقروا بالمغرب منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
ونتأسف ـ بدءاً ـ للأحداث الدامية الأخيرة التي شهدتها مدينة الدار البيضاء بتاريخ فاتح سبتمبر الجاري، والتي راح ضحيتها بعض من المهاجرين السودانيين بالمملكة المغربية، على خلفية نزاع في بعض شؤونهم الداخلية.
ونعتذر بشدة للشعب المغربي الشقيق الذي هو منا ونحن منه، كما كان يقول ملك المغرب الراحل الحسن الثاني، طيب الله ثراه. واعتذارنا باسم كل سوداني مقيم بالمملكة المغربية، متخذاً إياها وطناً ثانياً له، أو ربطته بها صلة رحم أو مصاهرة، أو جاءها طالب علم أو مهاجراً، أو كان من هؤلاء المهاجرين (غير الشرعيين) الذين استجاروا بالمغرب هروباً من رحى الحرب الدائرة في السودان. وبالتأكيد فإن هؤلاء لا يدركون مدى عمق العلاقة بين السودان والمغرب، البلدين اللذين لم تشُب علاقاتهما الثنائية أي شائبة على مدي التاريخ، فظلّت علاقة قوية.. صافية.. صوفيّة.. عصيّة على الاختراق، ومحصّنة ضد محاولات الكيد والاستقطاب.
ونحن على يقين وثقة بحكمة وحنكة السلطات المغربية المعهود في التعامل مع هذه الظاهرة السلبية واحتوائها في مهدها حتى لا تتكرر، والسعي من قبل الجهات الرسمية لحل جذري نراه ـ من وجهة نظرنا ـ في أيدي المنظمات الخيرية وغير الحكومية المهتمة بشؤون الهجرة واللاجئين بالتنسيق مع الأمم المتحدة.
وجميعنا يدرك ما يكنه جلالة ملك المغرب المفدى، محمد السادس حفظه الله ورعاه، وشعبه للشعب السوداني من حب وتقدير واحترام أزلي. وكلنا نستشعر تلك المعاملة الاستثنائية – إن لم نقل التفضيلية -التي نحظى بها في كثير من الأحيان، على المستويين الرسمي والشعبي، بما نعجز عن رد جمائله عبر الزمن.
نسأل الله أن يذهب الحزن عن السودان وشعبه المغلوب على أمره، وأن يوقف الحرب الدائرة، فإنه القادر عل ذلك، سبحانه. وأن يرد هؤلاء الشباب إلى رشدهم فيعودوا سالمين بعد وقف الحرب، وحاملين في حنايا صدورهم أصداء كرم أهل المغرب وحسن ضيافتهم وجميل خصالهم وعشرتهم النبيلة.
ولا يفوتنا في الختام أن نزجي جزيل شكرنا وجميل عرفاننا للأمن المغربي ورجال الدرك الملكي، الذين أبلوا البلاء الحسن وكانوا ـ كالعادة ـ في مستوى المسؤولية، ما خفف من هول الكارثة.
كما نستنكر من هؤلاء الشباب السودانيين المتهورين، هذا التصرف الشنيع واللا مسؤول، الذي نعتبره دخيلا ً على الوجود السوداني في المملكة المغربية ومشوهاً لصورة السودانيين وسمعتهم في الخارج، والكل يعلم بأن الجالية السودانية في هذا البلد المضياف، تفخر بتاريخها ناصع البياض منذ الستينيات.
إن الجناة في هذه الأحداث المؤسفة سودانيون وكذلك الضحايا، ما يجعلنا نتطلع إلى العدالة أن تأخذ مجراها حتى لا تتكرر مثل هذه الأحداث، مؤكدين حرص السفارة السودانية بالرباط بالدرجة الأولي على ذلك.
ونحن ـ كجالية سودانية ـ نؤكد حرصنا على صون سلامة وأمن ووحدة المغرب الترابية، وطناً ثانياً لنا، عزتنا من عزته وكرامتنا من كرامته.
د. عمر زكريا أبو القاسم
الرئيس السابق للجالية السودانية بالمملكة المغربية
للتوصل بمستجدات الموقع كل يوم على بريدكم الالكتروني المرجو التسجيل في نشرتنا البريدية.