بقلم: م.ب
الأوطان لا تنهار بقوّة أعدائها، بل بضعف أبنائها. فالجُبن ليس دائماً انسحاباً أمام عدوّ خارجي، بل قد يتجلّى في صورة أشد خطورة، لا مبالاة وصمت أمام انهيار الصالح العام. حين تتحوّل الشواطئ إلى مطارح للنفايات، وتغرق الأسواق والشوارع في الأوساخ، فإنّ الأمر لا يكون إهمالاً عابراً، بل جُبناً مدنياً ينهش كرامة الوطن من الداخل.
فالوطنية ليست رايةً تُرفع فقط في المناسبات ولا شعارات تُردّد في الملاعب، بل امتحان يومي يتجسّد في السلوك. أن تحافظ على نظافة شاطئ، أن تصون جمال سوق، وأن ترعى الفضاء العام كما ترعى بيتك، تلك هي الوطنية الحقيقية. من يرمي نفاياته في البحر أو في الطريق العام، لا يُسيء إلى المنظر فقط، بل يُهين الوطن نفسه.
غير أنّ الجُبن لا يقتصر على المواطن العادي. إنّه يتجلّى أيضاً عند بعض المسؤولين الذين يغضّون الطرف عن الجرائم البيئية اليومية، غابات تُنهب، أنهار تُحوَّل إلى مجارٍ ملوّثة، وآبار غير قانونية تستنزف المياه الجوفية. هنا لا نتحدّث عن تقصير إداري فحسب، بل عن جُبن سياسي يثقل كاهل الأجيال القادمة ويفرّط في حقوقها.

إشهار
وإذا كان الماء هو مرآة الحياة، فهو أيضاً مرآة خيانتنا أو صدقنا. كل قطرة تُهدر بلا وعي جريمة في حق الوطن، وكل نهر يُترك للتلوث صفعة في وجه الأجيال المقبلة. حين نعجز عن حماية مواردنا المائية، فإننا لا نفقد ثروة طبيعية فقط، بل نفقد جزءاً من شرفنا الجماعي وحقّنا في مستقبل كريم.
في مواجهة هذا التخاذل، يبرز التزام جلالة الملك محمد السادس كقدوة مضيئة. بمبادراته في مجالات الماء، البيئة، والتنمية المستدامة، يذكّرنا جلالته أنّ الوطنية ليست كلاماً، بل أفعالاً. لقد وضع جلالته معياراً صارماً، لا مكان للخيانة أو اللامسؤولية في مشروع المغرب الذي يريد أن يحفظ ماءه، أرضه وكرامته.
اليوم يقف المغرب أمام خيار مصيري، إمّا الاستسلام للجُبن المدني والسياسي، أو اختيار طريق الشجاعة الوطنية. شجاعة المواطن الذي يرفض تلويث شارعه، وشجاعة المسؤول الذي يضع الوطن فوق كل اعتبار. «الوطن لا يُفقد بقوة الأعداء، بل بخيانة أبنائه… لكنه ينهض حين يختار شعبه، بقيادة ملكه، طريق الشرف والمسؤولية».
للتوصل بمستجدات الموقع كل يوم على بريدكم الالكتروني المرجو التسجيل في نشرتنا البريدية.