في الحوار التالي مع محمد الكيحل، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالمعهد الجامعي للدراسات الافريقية جامعة محمد الخامس بالرباط ورئيس مركز إشعاع للدراسات الجيوسياسية والاستراتيجية، نلقي الضوء على إنجازات 26 سنة من حكم جلالة الملك محمد السادس نصره الله ، تلك المكتسبات التي بوأت المملكة من تبوأ مكانة دولية واقليمية وجعلته فضاء للاستقرار والاستثمار.
ويشير إلى أن المؤسسة الملكية في المغرب، تلعب دورًا محوريًا في ترسيخ الهوية الوطنية والحفاظ على وحدة الوطن واستقراره وضمان تماسكه الاجتماعي والثقافي والديني والروحي والقيم..
وأضاف أن الملك محمد السادس، ومنذ اعتلائه العرش، وبصفته رمزًا لوحدة الأمة وضامنًا لاستمرار الدولة، يقود بحكمة وتبصر ورؤية استباقية واستشرافية مجموعة من المبادرات والسياسات التي تهدف إلى تعزيز التلاحم الوطني وتقوية الجبهة الداخلية في مواجهة مختلف التحديات، نص الحوار:
ونحن نحتفل بالذكرى الـ26 لعيد العرش المجيد، برأيكم ما هي أهم المنجزات في عهد حكم جلالة الملك محمد السادس نصره الله؟
°°بداية أتقدم باسمي وباسم كافة أعضاء مركز إشعاع للدراسات الجيوسياسية والاستراتيجية بمناسبة الاحتفال بالذكرى السادسة والعشرين لتربع سليل الدوحة النبوية الشريفة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله على عرش أسلافه الميامين، بخالص عبارات التهاني وأجل الأماني، مجددين البيعة والوفاء وسائلين العلي القدير أن يحفظ مولانا أمير المؤمنين لشعبه الوفي، وأن يقر عينه بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، وصاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة لالة خديجة وأن يشد أزره بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي رشيد وبسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.
كما تفضلتم، نحتفل يوم الأربعاء لموافق ل 30 يوليوز 2025 بالذكرى السادسة والعشرين لاعتلاء الملك محمد السادس عرش أسلافه المنعمين، حيث تعتبر هذه المناسبة، التي تعكس ارتباط الشعب المغربي بالعرش العلوي المجيد، فرصة لتسليط الضوء على المكتسبات المحققة في المملكة تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك؛ فمع توالي الملك محمد السادس العرش المجيد، انطلقت نهضة متكاملة طالت مختلف هياكل وبنيات الدولة في هرمها السياسي وقاعدتها المجتمعية، حيث شهد المغرب تحولات عميقة طالت مختلف المجالات والميادين الحيوية؛ البنيات التحتية، والاقتصاد، والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان ومجالات البيئة والتنمية المستدامة…الخ.
مكنت عن المنجزات المادية المتحققة والتي عرف المغرب بفضلها نهضة تنموية واعدة، بالرغم من بعض الاختلالات التي تطالها، المغرب من تبوأ مكانة دولية واقليمية وفضاء حامل للاستقرار والاستثمار؛ حيث تلعب المؤسسة الملكية في المغرب دورًا محوريًا في ترسيخ الهوية الوطنية والحفاظ على وحدة الوطن واستقراره وضمان تماسكه الاجتماعي والثقافي والديني والروحي والقيم.؛فالملك محمد السادس، ومنذ اعتلائه العرش، وبصفته رمزًا لوحدة الأمة وضامنًا لاستمرار الدولة، يقود بحكمة وتبصر ورؤية استباقية واستشرافية مجموعة من المبادرات والسياسات التي تهدف إلى تعزيز التلاحم الوطني وتقوية الجبهة الداخلية في مواجهة مختلف التحديات.
وتنبع هذه القوة والالتحام بين الشعب المغربي والملك؛ من الطابع الديني والرمزي التي تتمتع بها المؤسسة الملكية باعتبار الملك أميرا للمؤمنين مما أعطى مكانة دينية ورمزية والتحام بين مختلف مكونات الشعب المغربي حول المؤسسة الملكية التي خول لها الدستور مكانة متميزة في هرم السلطة بحكم وجودها على رأس المؤسسات الدستورية، سواء على المستوى المؤسساتي والتنظيمي أو على مستوى صلاحياتها وكيفية اشتغالها. من هنا تبرز الأدوار الطلائعية والمحورية الذي تلعبها المؤسسة الملكية في مختلف المجالات الحيوية بالمغرب المادية منها والمعنوية باعتبارها ظلت تشكل تاريخيا الركيزة الأساسية للنظام السياسي المغربي وضامنة لاستقراره السياسي وتماسكه الاجتماعي.
ولذلك ظلت المؤسسة الملكية هي التي تتوحد حولها الأمة وتضمن وحدة البلاد واستقلالها، فتاريخيا ظلت المملكة تشكل ليس فقط رمزا، بل حصنا متينا تبنى عليه كل المؤسسات وسدا منيعا تكسر عليه كل محاولات الاختراق الداخلي من لدن جهات وأطراف خارجية تحاول جاهدة مستعملة كل الأدوات والأوراق التي بيدها لزعزعة استقرار البلاد و ضرب في العمق تماسكها وتضامنها الاجتماعي؛ خاصة في ظل الاستعمال المكثف من قبل أعداد الوحدة الترابية لمختلف أدوات التواصل الاجتماعي والطفرة التكنولوجية والرقمية الهائلة لتحقيق مآربها الخبيثة لعرقلة النهضة المغربية الشاملة التي أضحت تؤرق بال أصحاب القرار الاستراتيجي في دول الجوار الجغرافي للمغرب ومن مختلف الجهات. لكن الوعي الجمعي المغربي المتجذر في التاريخ، يدرك جيدا أن حماية المؤسسات وعلى رأسها المؤسسة الملكية، ليست ترفا سياسيا، بل واجب وطني لدحر كل أعداء الوحدة الترابية والطامعين في خيراتها ومؤهلاتها الاقتصادية وموقعها الاستراتيجي الهام وخيارات سياساتها الداخلية والخارجية التي لقت اشادة وترحيبا من مختلف الهيئات والمؤسسات الدولية والاقليمية.
فالاحتفال بهذا العيد في عهد الملك محمد السادس، سيشكل نقطة انطلاق لعهد جديد ومفهوم جديد للتعاطي مع القضايا الوطنية، والتخطيط لمستقبل البلاد برؤية استشرافية هادفة، وبلورة سياسة اقتصادية واجتماعية تهدف إلى تغيير وجه المغرب باعتباره بلدا صاعدا تواجهه العديد من التحديات. فالمغرب بفضل القرارات الجريئة والمبادرات الخلاقة للملك محمد السادس أصبح قوة إقليمية وناعمة لها مكانتها على الصعيدين الإقليمي والدولي.
أضحت المملكة بفضل المنجزات المحققة في عهد جلالة الملك محمد السادس نصره الله ،قوة ناعمة في محيطها الجهوي والقاري، كيف تصف هذا التحول ؟
°° دعني في البداية قبل الجواب على سؤالكم، لا بد من تحديد مفهوم القوة الإقليمية ومفهوم القوة الناعمة وهل المغرب يتوفر على عناصر ومقومات هذين المفهومين. يعنى مفهوم القوة الإقليمية كما يؤكد على ذلك الرواد المؤسسون لهذا المفهوم أمثال ماكسي شومان: القدرة على التأثير في الشؤون الداخلية والخارجية ضمن منطقة جغرافية محددة. وترتكز على الموارد على المادية: كالقوة العسكرية والاقتصادية والديمغرافية والدبلوماسية. و تتمثل محددات القوة الإقليمية: في خلق السلام والنظام على المستوى الإقليمي وتلبية التطلعات المختلفة لبلدان وشعوب المنطقة. كما تشمل الديناميات المؤسساتية الداخلية للدولة مما يساعدها على لعب أدوار طلائعية ومؤثرة في محيطها الجهوي والإقليمي؛ وبأن تقبل الدول الأخرى التي تشكل جزءا من النطاق الإقليمي بلعب الدور المهيمن للقوة الإقليمية في جميع القضايا التي تؤثر على الأمن والاستقرار وحل النزاعات الإقليمية والقيام بأدوار الوساطة. كما تحتاج الدولة لكي تكون قوة إقليمية بالإضافة إلى العناصر السابقة لدعم من قوى خارجية تتقاسم معها نفس الرؤى والمصالح المتبادلة.
أما مفهوم القوة الناعمة الذي يشار إليه باللغة الانجليزية” Soft power “، فقد صاغه جوزيف ناي من جامعة هارفارد الذي يعرف القوة الناعمة بأنها : “تلك القدرة على ممارسة التأثير والحصول على نتائج دون إكراه، فهي أداة تستعمل في السياسة الخارجية بغرض خلق تصورات ومواقف وأفكار للتأثير في الذوق و ميولات الأمم الأخرى باستخدام الثقافة والفنون والأزياء والرياضة وغيرها؛ وهي لا تعني عدم الاعتماد على القوة الصلبة ولكن تشتغل بالموازاة مع القوة العسكرية والأمنية لضمان تحقيق نفوذ الدول ومصالحها.
يعد مفهوم القوة الناعمة من المفاهيم الحديثة نسبيا في حقل العلاقات الدولية والقانون الدولي؛ فغالبا ما كانت العلاقات التي تجمع بين الدول توظف فيها أدوات القوة الصلبة بالاعتماد على قوتها العسكرية بمختلف أنواعها. لكن ومع التطورات الدولية الحاصلة في مختلف مجالات السياسات الدولية لم يعد مفهوم القوة يمثل حجر الأساس في العلاقات الدولية. تتمثل مصادر القوة الناعمة، بحسب المنظرين لهذا المفهوم الجديد، في عناصر أساسية: تمثل الحضارة والثقافة إحدى أهم هذه العناصر عندما تكون جذابة ومغرية ومحط إعجاب وتقدير من الآخرين، وثانيهما في القيم والسياسات المجتمعية المحلية عندما تطبق بإخلاص في الداخل والخارج، وثالثها في السياسات الخارجية عندما ينظر إليها الآخرين على أنها تتسم بالشرعية والمشروعية وذات أخلاقية. تستند الدولة في قوتها الناعمة على جوانب أخرى كالدبلوماسية الاقتصادية والدينية والروحية؛ وتشكيل شبكة من التحالفات والعلاقات المبنية على التحالفات؛ والثقة المتبادلة في سياساتها الخارجية مع الدول والمنظمات الدولية والإقليمية الوازنة ومراكز صناعة القرار الدولي، ما يمنحها الفعل والقدرة على اتخاذ القرارات والمبادرات الاستراتيجية المؤثرة في رسم التوجهات العامة للسياسات الدولية في مختلف الميادين والمجالات الحيوية.
وفي هذا الإطار، يمكن إبراز أهم العناصر والمقومات المادية والمعنوية التي يستند عليها المغرب لجعل قوته الناعمة كأداة أساسية لإعادة تموقعه في قلب المعادلات الجيواقتصادية والجيوسياسة قيد التشكل في محيطه القاري والدولي . العنصر الأول أو المقوم الأساسي يتمثل في الدور الطلائعي الذي ظلت تلعبه أن المؤسسة الملكية في التنمية والاستقرار و الأمن والسلم الإقليمي ؛ بفضل ما تمتلكه من رصيد تاريخي وإرث حضاري ومقومات دينية وروحية وثقافية. أما المعطى الثاني فيتجلى في كون التحرك المغربي في محيطه الدولي والقاري ظل يرتكز على محددات ثابته شكلت ركائز السياسة الخارجية المغربية والمتمثلة بالأساس في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ؛ الاحترام المتبادل للسيادة وسلامة الأراضي؛ عدم الاعتداء على الغير ؛ الدفاع عن مصالح الدول الافريقية أمام المحافل الدولية والاقليمية؛ تعزيز الشراكة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية في إطار التعاون جنوب- جنوب بناء على معادلة رابح- رابح.
العنصر الآخر يتمثل في الـأهمية الجيواستراتجية للمحيط الإفريقي بالنسبة لحماية الأمن المغرب في مفهومه الشامل؛ حيث ظل هذا الفضاء يحظى بأهمية بالغة في السياسة الخارجية المغربية باعتباره ظل يشكل مجالا حيويا وعمقا استراتيجيا للمملكة على مر التاريخ؛ وهذا ما أكد عليه الدستور المغربي 2011 الذي رسم مجال تحرك واشتغال السياسة الخارجية المغربية حيث يشكل المجال الافريقي من المجالات الحيوية ومناطق النفوذ الاستراتيجي للمملكة. وهذا ما يحيلنا إلى المعطى الرابع فالمتتبع للسياسة الخارجية المغربية يلاحظ خلال العقدين الأخيرين وجود دينامية تعبر عن رؤية واضحة اتجاه افريقيا؛ فالرهان حاليا بالنسبة للعقل الاستراتيجي المغربي هو إعادة التموقع التاريخي للمملكة؛ بالنظر إلى المتغيرات الدولية المتسارعة والمعادلات الجيواقتصادية والجيواستراتيجية قيد التشكل بالفضاء الأطلسي ومنطقة الساحل المحاذية.
ومن هنا، تبرز الرهانات الجيوسياسية والجيواقتصادية للمبادرة الأطلسية والساحلية ذات النظرة الاستباقية والاستشرافية والذي ستمكن المغرب من إعادة التموقع في خريطة التحالفات الدولية والمعادلات الجيواقتصادية والجيوسياسية قيد التشكل بالمنطقة؛ خاصة أنه ما زالت هناك مجموعة من الفرص التي يجب استكشافها من أجل تعزيز نفوذ المملكة في محيطها القاري والدولي. وهي تعبر من جهة أخرى على المكانة التي أضحت تحظى بها القارة الإفريقية في السياسة الخارجية المغربية حيث انتقلت إلى مرتبة الخيار الاستراتيجي الأول للمملكة ومنطقة نفود تتطلب ملأ الفراغات بها واستثمار فارق موارد القوة لديها، من أجل بناء دور ريادي وأكثر تأثيرا تحول المغرب كقوة ناعمة تمنحه موقع اقليمي ريادي وهذا ما تجسده المبادرة الملكية الأطلسية والساحلية.
وهو طموح مشروع للمملكة المغربية لتحقيق الريادة القارية وعلى مختلف المستويات، باعتبارها قوة إقليمية ناعمة صاعدة ومؤثرة؛ فالمملكة تعتبر فاعل اقتصادي مهم ومحرك للاستثمارات بالقارة الافريقية. كما تساهم في تحقيق الأمن والاستقرار والسلم الإقليمي والدولي معتمدة في ذلك على استقرار نظامها السياسي وعلى قومتها العسكرية والاستخباراتية المتطورة فضلا عن الدور الحيوي للدبلوماسية الاقتصادية والدينية المغربية التي تساهم بشكل كبير في تحقيق وضمان الأمن الروحي الافريقي وخاصة في الفضاء الأطلسي والساحلية ومنطقة الصحراء الكبرى.
في هذا السياق ما هو الدور الحيوي الذي تقوم به الدبلوماسية الدينية كأحد مقومات وتجليات القوة الناعمة للمملكة ؟
°° شهد المشهد الجيوسياسي العالمي تحولات جوهرية اتسمت بتصاعد الأزمات والنزاعات الدولية ونشوء تحالفات جيواقتصادية وجيوسياسية جديدة. المغرب ليس بعيد عن هذه التحولات والمتغيرات الدولية بل هو في قلبها للعديد من الاعتبارات. وكما سبق الإجابة يعد مفهوم القوة الناعمة من المفاهيم الحديثة نسبيا في حقل العلاقات الدولية والقانون الدولي؛ فغالبا ما كانت العلاقات التي تجمع بين الدول توظف فيها أدوات القوة الصلبة بالاعتماد على قوتها العسكرية بمختلف أنواعها. لكن ومع التطورات الدولية الحاصلة في مختلف مجالات السياسات الدولية لم يعد مفهوم القوة يمثل حجر الأساس في العلاقات الدولية.
ومن المعلوم أن الدبلوماسية الدينية المغربية تشكل إحدى المرتكزات الأساسية للقوة الناعمة للمغرب. لقد أضحى الرهان العالمي في الآونة الاخيرة يرتكز بشكل أساسي على الدبلوماسية الدينية لما يلعبه البعد الديني اليوم من دور أساسي في العلاقات الدولية بصفة عامة وخاصة تلك التي تربط المغرب بالبلدان الإفريقية. ويعتبر المتتبعون لتطور العلاقات المغربية الافريقية أن البعد الديني كان ولا زال يشكل رابطا من الروابط الوثيقة التي تجمع المملكة بالبلدان الافريقية ومحددا أساسيا للشراكات في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والصحية والأمنية والجيواستراتيجية، وخاصة بلدان الغرب الافريقي ومنطقة الساحل والصحراء الكبرى، حيث تحرص بلادنا على استثمار وتوظيف علاقاتها الدينية والروحية التي تربطها بهذه المنطقة لصالح التوجهات الجيو اقتصادية والجيواستراتيجية للمملكة . فالبعد الديني كان ولا يزال يشكل رابطا من الروابط الوثيقة التي تجمع المملكة بعمقها الافريقي ومحددا أساسيا للشراكات في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والصحية والأمنية و الجيواستراتيجية، حيث تحرص بلادنا على استثمار وتوظيف علاقاتها الدينية والروحية التي تربطها بهذه المنطقة لصالح التوجهات الجيو اقتصادية و الجيواستراتيجية للمملكة .

تستند الدبلوماسية الدينية المغربية بإفريقيا في مشروعيتها التاريخية: على الروابط الدينية والروحية والقيمية والثقافية التي ظلت تجمع المملكة بمعمقها الإفريقي، والتي تستمد مقوماتها من مبادئ وقيم الإسلام المعتدل التي ترسخت بالقارة الافريقية وتعمقت مع انتشار الإسلام في دول غربها، حيث يعود الفضل لهذا الانتشار الديني للمغاربة في عهد الدولة المرابطية المغربية أي منذ حوالي ألف عام. هذا ما يتجلى في المشترك الديني والثقافي والقيمي الذي يجمع المغرب بإفريقيا: حيث ظلت المملكة تشكل مرجعية دينية أساسية ومصدر ثراء وإلهام لهويتها الحضارية والثقافية وتراثها الثقافي اللامادي. يرجع الفضل لهذا التلاقح الحضاري والتقارب الثقافي: إلى الجهود الدؤوبة التي ظلت تقوم بها المملكة في شخص سلاطينها وملوكها العلويين الذين سخروا وقتهم وجهدهم لضمان وحفظ الأمن الروحي للشعوب الافريقية من خلال نشر الإسلام بطرق سلمية:( تمثلت في حسن أخلاق التجار المغاربة؛ وانتشار الطرق الصوفية المغربية في الدول الإفريقية؛ فضلا عن الدور الذي لعبته رحلات الحج التي كانت تمر من أهم المدن المغربية آنذاك)، حيث كان الحجاج الأفارقة يحضون بالرعاية من لدن السلاطين والملوك المغاربة بمجرد أن تطأ أقدامهم المجال الترابي للمملكة المغربية الشريفة.
وبالإضافة إلى المقومات الدينية والروحية التي ترتكز عليها الدبلوماسية الدينية المغربية بالقارة الإفريقية: ظلت المملكة تشكل عبر التاريخ بوابة تجارية واقتصادية للقارة؛ فالدبلوماسية الدينية – نعتقد- بأنها كانت وستظل تستمد قوتها ووهجها – ولربما استمراريتها- من أصالة العلاقات التاريخية التجارية والاقتصادية التي ظلت تجمع المغرب ببلدان وشعوب المنطقة؛ ومتانة الروابط الثقافية والقيمية والروحية المشتركة الضاربة جدورها في أعماق التاريخ. وتؤكد الحقائق التاريخية والوثائق الدينية كيف أن السلاطين والملوك المغاربة ظلوا حريصين منذ قرون من الزمن على إحاطة عموم الحجاج الأفارقة بعناية وحسن الضيافة والمعاملة التي تحفظ لهم التقدير والاحترام وتلبي حاجاتهم المادية والمعنوية. وهذاما جعل الكثير من الشعوب الإفريقية تدين بالبيعة والولاء للسلاطين والملوك المغاربة حيث تنظر للملك المغربي بوصفه أميرا لكل المؤمنين في إفريقيا.
ومن تجليات الروابط الدينية والروحية بين المغرب وعمقه الافريقي: استقبال الملوك المغاربة لعدد من شيوخ الطرق الصوفية في الدول الإفريقية، وبناء المساجد وتوزيع آلاف النسخ من المصحف المحمدي الشريف، وإمداد المستشفيات بالأدوية والأجهزة الطبية، ومساعدة تلك الدول في تطوير البنية التحتية:( مثل بناء المدارس وشق الطرق وإصلاح الأراضي الزراعية.. الخ)، فضلا عن تطوير المجال الاقتصادي والثقافي. وهذا ما جعل الكثير من الشعوب الإفريقية تدين بالبيعة والولاء للسلاطين والملوك المغاربة حيث تنظر للملك المغربي بوصفه أميرا لكل المؤمنين في إفريقيا. وبذلك تتجاوز الدبلوماسية الدينية المغربية البعد الديني في حفظ الأمن الروحي إلى أبعاد أخرى اجتماعية واقتصادية تعود بالنفع العميم على الساكنة الإفريقية.
تجددت العلاقات الدينية والروحية بين المغرب ومحيطه الإفريقي وأصبحت أكثر دينامية في عهد الملك محمد السادس؛ فالدبلوماسية الدينية المغربية في عهد جلالته أخذت دينامية وتوهجا وتعمقت بشكل أكثر بالقارة الافريقية بفضل الأعمال الجليلة التي تقوم بها مؤسسة أمير المؤمنين في شخص جلالة الملك:( كإنشاء مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة وخلق فروع لها في دول إفريقية عديدة، إلى جانب استقبال آلاف الطلاب الأفارقة في الجامعات المغربية للدراسة، وتكوين الأئمة والمرشدين والقيمين الدينيين الأفارقة..الخ). كما قام جلالته بإطلاق العديد من المبادرات الدينية الرائدة إقليميا وعالميا، لتعزيز الدبلوماسية الدينية المغربية باعتبارها ضمانة أساسية لاستمرار الروابط الروحية والقيمية مع هذه المنطقة الحيوية بالنسبة لبلادنا، وجعلها تتأقلم مع المتغيرات الاقليمية والدولية والتحولات الجيواستراتيحة. وحتى تكون قادرة على التصدي لكل المؤثرات والمهددات التي تسعى إلى التضييق عليها أو محاولة إضعافها، في ظل تنامي التنافس الديني والمذهبي بالقارة الافريقية، خاصة من قبل المذهب الشيعي الإيراني الذي بدأ يتغلغل إلى وجدان وعقيدة الكثير من الأفارقة خلال العقود الأخيرة. ولذلك حظيت السياسة الدينية المغربية بإشادة العديد من الدول والمنظمات الدولية والإقليمية: التي تعتبر التنسيق والتكامل والتعاون بين الدول أمرا ضروريا لمواجهة التحديات المحدقة بالمنطقة وخاصة تلك المرتبطة بالتهديدات والمخاطر الأمنية، حيث تساهم الدبلوماسية الدينية من جهة في صيانة الأمن الروحي الإفريقي و المساهمة في تحقيق الأمن والسلم الإقليمي والدول من جهة ثانية.
لكن الدبلوماسية الدينية المغرب بأفريقيا قد تواجه بالعديد من الصعوبات؛ لا سيما في ظل تفكك الهويات الإثنية و الثقافية، وازدياد التهديدات والمخاطر الأمنية بالمنطقة، فضلا عن التحديات المرتبطة بالهيمنة الثقافية والتكنولوجية والرقمية الهائلة التي تحتكرها القوى الغربية المتقدمة، وبالتالي قد تعمد بعض الجهات والأطراف إلى توظيف الإمكانيات والأدوات المتاحة لديها لإضعاف الدبلوماسية الدينية المغربية، وخاصة من لدن المتضايقين منها، من خلال استعمال كل الوسائل والأساليب الممكنة بهدف ضغضغة المشاعر الوجدانية للشعوب الإفريقية المسلمة، أو محاولة إضعاف الروابط الدينية والروحية والثقافية واللغوية والهويات المشتركة التي ظلت تجمع المملكة بالساكنة الإفريقية وخاصة المسلمة منها، التي تكن تقديرا واحتراما للملك باعتباره أمير المؤمنين ليس فقط للمغاربة بل لمئات الملايين من سكان القارة الإفريقية، وخاصة منطقة الغرب الإفريقي ومنطقة الساحل والصحراء الكبرى.
يتزامن احتفال المغاربة بذكرى عيد العرش مع جولة مبعوث الرئيس ترامب المغاربية ، برأيكم هل تشكل هذه الجولة بداية لترتيب قرارات استراتيجية وتحولات حاسمة بالمنطقة المغاربية ومنطقة الساحل المحاذية؟ وما تأثيرات ذلك على إنهاء نزاع الصحراء المغربية المفتعل الذي عمر نصف قرن من الزمن؟
°° يأتي تزامن زيارة مسعد بولس مستشار الرئيس الأمريكي دولاند ترامب إلى المملكة وهي تحتفل بالذكرى 26 لعيد العرش المجيد، وهذه الزيارة لها أكثر من دلالة جيواستراتيجية في غاية الأهمية؛ فهي من جهة تعبر على عراقة وأصالة العلاقات المغربية- الأمريكية ومثانها في ظل التقلبات والمتغيرات الدولية والاقليمية المتسارعة؛ ومن جهة أخرى تؤشر على أن نزاع الصحراء المفتعل وصل إلى مرحلة إنهائه في ظل الثقل الكبير الذي أضحت تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة المغاربية باعتبارها الحزام الأساسي للولوج إلى القارة الافريقية التي تعتبر مستقبل الاقتصاد العالمي بالنظر لما تتوفر عليه من مؤهلات اقتصادية وثروات معدنية حيوية وهائلة. زيارة المبعوث الامريكي للمنطقة المغاربية هي خطوة تعيد للمنطقة المغاربية زخمها وفاعليتها في المعادلات الجيوسياسية والجيواقتصادية قيد التشكل بالمنطقة لا سيما في ظل التحولات والأحداث المتسارعة التي تشهدها منطقة الساحل المحاذية. وهو ما يحتم على الدول المغاربية اجراء مصالحة تاريخية وانهاء كل الخلافات السياسية والتوترات الأمنية القائمة بينها وإحداث تقارب مغاربي يؤشر على بداية تعاون اقتصادي وأمني وعسكري وجيواستراتيجي يعيد للمنطقة المغاربية المكانة الهامة و الاستراتيجية التي ظلت تتمتع بها في مختلف العصور والمراحل التاريخية المتعاقبة.
وارتباطا بسؤالكم، فكما هو في علمكم، تعتبر العلاقات المغربية الأمريكية من بين أقدم العلاقات الدبلوماسية التي أرستها الولايات المتحدة الأمريكية مع دولة أجنبية، حيث كان المغرب أول بلد يعترف باستقلال الولايات المتحدة سنة 1777. ومنذ ذلك الحين تطورت العلاقات بين البلدين عبر مراحل مختلفة، شملت التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري. بدأت العلاقات المغربية الأمريكية رسميًا في عام 1786 بتوقيع معاهدة السلام والصداقة المغربية الأمريكية، وهي أقدم معاهدة ما زالت سارية في التاريخ الأمريكي. وقد تميزت هذه الفترة الأولى من العلاقات بتعاون في المجال التجاري والبحري حيث لعب المغرب دورا هاما في حماية السفن الأمريكية من القرصنة في البحر الأبيض المتوسط.
شهدت العلاقات السياسية بين البلدين تطورًا ملحوظا خاصة بعد استقلال المغرب سنة 1956. فالعلاقات العلاقات المغربية الأمريكية تفرز تشابهًا في مقاربة الطرفين للقضايا التي يطرحها النظام الدولي، وهي تعود إلى تماشي النظام الملكي المغربي مع الخط العام للمصالح السياسية والاقتصادية الأمريكية في المنطقة العربية والأفريقية. فالمغرب الذي اتبع أيديولوجيا تتسم بالواقعة والانفتاح والحياد فلم يكن بحكم الجوار الجغرافي الأوروبي وبحكم نوعية الروابط الدولية التي شدته تقليديًا إلى أوروبا، بعيدًا من أجواء الاستقطاب الدولي بين المعسكرين (الاشتراكي والرأسمالي) ذلك لأنه لم يفلت من أحكام التحولات المثيرة التي أجبرت أوروبا نفسها على أن تعيشها. إلا أن المغرب لم يتأرجح طويلًا بين الشرق والغرب إذ كان قد حسم أمره واختار التوجه الغربي فكان النظام الملكي المغربي يمثل التوجه الغربي الليبرالي في الشمال الأفريقي.
وقد ساهم في توثيق العلاقات بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية عدة عوامل شكلت دوافع للبلدين للمضي في هذه العلاقات وفي مقدمتها الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي حظي به وامتلاكه لبعض المعادن المهمة وبُعده العربي و الإسلامي..الخ، إذ تأتي مكانة المغرب في الاستراتيجية الأمريكية في سياق تحكمه عدة محددات تتمثل برغبة أمريكا في استغلال الموقع الاستراتيجي للمغرب بصفته دولة تنتمي إلى عدة وحدات إقليمية ودولية مهمة فالمغرب دولة عربية وإسلامية وأفريقية ومتوسطة. كما أنه يكتسي في إطاره الإقليمي أهمية كبرى للمصالح الأمريكية واستراتيجيتها في المنطقة، بالنظر إلى مكانته الحيوية بالأمن في البحر المتوسط والأهمية الاستراتيجية له كممر بحري ضروري لاقتصاد القوى الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة والدول الغربية.
كل هذه العوامل، جعلت المغرب يحظى بالاهتمام الأمريكي، بل أصبح واحدًا من أقرب الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة الأمريكية في أفريقيا والعالمين العربي والإسلامي. ولذلك منذ الاستقلال راهن المغرب على ضمان التأييد الأمريكي للقضايا المصيرية بالنسبة إلى السياسة الخارجية المغربية وتطلعات الأمة المغربية الضاربة جدورها في التاريخ ولعل الولايات المتحدة الأمريكية تعرف جيدا عراقة وأصالة الدولة المغربية بحيث تؤكد الحقائق التاريخية ومسار العلاقات المغربية- الأمريكية كيف كانت الولايات المتحدة الأمريكية تقف إلى جانب المغرب في لحظات تاريخية فاصلة؛ فقد دعمت الولايات المتحدة المملكة في عدة قضايا دولية وإقليمية من أبرزها قضية الصحراء المغربية وقضية مدينتي سبتة ومليلية والجزر المجاورة لهما المحتلة من جانب إسبانيا الجارة الشمالية، إلى جانب بعض القضايا المتعلقة بالهاجس الأمني والعسكري كالهجرة والإرهاب ومسيرة الإصلاح الديمقراطي الداخلي.
كما يعمل البلدان على تنسيق جهودهما في مختلف القضايا الدولية والإقليمية، حيث يتعاون المغرب والولايات المتحدة بشكل وثيق في المجال الأمني خاصة في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتعزيز الاستقرار في منطقة الساحل والصحراء. ويعد المغرب شريكًا رئيسيًا في مبادرات مثل “مناورات الأسد الإفريقي” التي تنظم سنويًا بمشاركة الجيشين المغربي والأمريكي، إلى جانب تعزيز قدرات القوات المسلحة الملكية المغربية من خلال برامج التدريب والتسليح. على المستوى الاقتصادي تعد الولايات المتحدة من بين الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين للمغرب حيث تم توقيع اتفاقية التبادل الحر بين البلدين سنة 2006، مما ساهم في زيادة حجم المبادلات التجارية والاستثمارات الأمريكية في المغرب، خاصة في قطاعات الفلاحة والصناعة والطاقة المتجددة. كما يحتل المغرب موقعًا استراتيجيًا يجعله بوابة للاستثمارات الأمريكية نحو إفريقيا.
وفي ظل الظروف السياسية الإقليمية والدولية الراهنة والتي تتسم بالاضطراب والتحولات المتسارعة، أخذت العلاقات بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية تشهد تحولًا وتأييدًا جديدًا في المواقف والأهداف والتوافقات السياسية الإقليمية والدولية، وسوف تبرز هذه التوافقات من خلال اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على الصحراء؛ فمنذ عقود ظل موقف الولايات المتحدة الأمريكية من قضية الصحراء المغربية يتسم بالحذر والدبلوماسية المتوازنة دون الانحياز المعلن لأي من الأطراف المتنازعة. غير أن سنة 2020 شكلت منعطفا حاسما وتاريخيا حينما أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترامب اعترافها بسيادة المغرب الكاملة على أقاليمه الجنوبية، واعتبرت مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب منذ عام2007، هي الحل الوحيد الواقعي والجاد لإنهاء هذا النزاع الإقليمي.
قرار الرئيس الأمريكي ترامب لم يكن مجرد تصريح سياسي عابر بل أعاد رسم خارطة التعاطي الدولي مع ملف الصحراء المغربية التي هي من مخلفات الحقبة الاستعمارية؛ فبعد سنوات من الجمود جاء الاعتراف الأمريكي ليمنح المغرب زخما دبلوماسيا قويا ويدفع بعدد من الدول الوازنة على المستوى الدولي إلى مراجعة مواقفها أو التعبير عن دعم صريح لمقترح الحكم الذاتي، مثل ألمانيا وإسبانيا والبرتغال وهولاندا وبلجيكا وبريطانيا العظمى وغيرها من القوى الغربية حيث توج هذا المسار بانضمام المملكة المتحدة إلى ركب هذه الدول. القرار الصريح لهذه الدول بتأييد مبادرة الحكم الذاتي لم تكن له مكتسبات دبلوماسية فحسب، بل كانت له مزايا اقتصادية حيث فتح الباب أمام تدفق الاستثمارات المباشرة في الأقاليم الجنوبية من خلال مشاريع بنيوية كبرى، خصوصا في مجالات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر والبنية التحتية البحرية، مما عزز موقع المغرب كشريك استراتيجي في محيطه الجهوي والقاري.
لكن ورغم قوة العلاقات المغربية الأمريكية ومتانتها، تواجه الشراكة المغربية الأمريكية عدة تحديات في طليعتها تغير الإدارات السياسية في الولايات المتحدة وتأثير ذلك على الموقف الأمريكي تجاه القضايا المغربية، والمنافسة الاقتصادية مع قوى أخرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي، تعقد أوضاع الأمنية في منطقة الساحل وتأثيرها على الاستقرار الإقليمي. لكن الأكيد هو أن الدينامية المتجددة التي يعرفها ملف الصحراء المغربية والانتصارات الدبلوماسية التي حققتها المملكة المغربية يظهر أن المغرب يعتمد على استراتيجية عقلانية وواقعية في تدبير علاقاته الدولية بقيادة الملك محمد السادس، وهي تعي جيدا أن هدفها الاستراتيجي يتمثل في الدفاع عن المصلحة العليا للبلاد.
لقد فهمت الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها القوة العظمى المهيمنة على المسرح الدولي الرسالة الملكية المشفرة إلى أعداء الوحدة الوطنية، الظاهرين منهم والمتخفيين، المتربصين بتهديم مقوماتها الحضارية والتاريخية للمملكة؛ فالاعتراف الرسمي بمغربية الصحراء من طرف دول ذات ثقل عالمي كالولايات المتحدة، لم يأتي من العبث أو مجرد صدفة بل أملته وفرضته التحولات الدولية والمعادلات الجيوسياسية قيد التشكل على المستوى الدولي والإقليمي، كما أن الاعتراف ينسجم مع الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 69 لثورة الملك والشعب، والذي أكد فيه أن:” ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”، كما أنه يأتي انسجاما مع الدور الريادي الذي يقوم به الملك محمد السادس، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي بفضل الزخم القوي الذي أضفاه على ملف الصحراء المغربية ومتابعته المستمرة له والانتقال من سياسة التدبير إلى سياسة الحزم والاستباقية لإنهاء على النزاع المصطنع الذي طال أمده وهو من مخلفات الحقبة الاستعمارية السابقة للمنطقة.
هذه الانجازات المحققة في عهد جلالة الملك محمد السادس جعلت المملكة تتعرض للعديد من الضغوطات والابتزازات الخارجية، خاصة في ظل النجاحات المحققة على مستوى ملف الوحدة الترابية للمملكة؛ في ظل هذه الإنجازات والنجاحات يحاول البعض اليوم، اختراق هذا البناء المتماسك، فإن ما يستهدف فعليا ليس شخص الملك، بل رمز الدولة الجامعة الحامية والضامنة لاستقرار السياسي والتماسك والتضامن الاجتماعي، ومؤسساتها التي تحمي السيادة والأمن والتنمية؛ استهداف المؤسسة الملكية ليس سوى جبل الجليد في مشروع أوسع يهدف إلى نزع الهيبة عن المؤسسات، وإرباك علاقة الدولة بمواطنيها وجعلها يفقدون الثقة في المؤسسات الوطنية، وفتح المجال أمام فوضى مؤسساتية تسهل عملية التدخل الخارجي التدريجي، وتعيد سيناريوهات التقسيم والهيمنة أو في أقل الأضرار تزايد الابتزاز الخارجي للضغط على المغرب الذي أضحى يشكل قوة إقليمية صاعدة ضامنة للاستقرار والاستثمار ليس فقط في المملكة بل في محيطها الإقليمي والقاري.
لقد بات واضحا أن بعض الجهات والأطراف الذي تتضايق من الصعود المغرب وانبعاثه من جديد وترى في هذا الصعود تهديدا لمصالحها القومية والاستراتيجية خاصة من قبل دول الجوار الجغرافي الأوروبي والجارة الشرقية، حيث ترى في وحدة المغرب وتماسكه الاجتماعي والديني والروحي والقيمي والثقافي، خطرا استراتيجيا على دول المنطقة والقارة، وتسعى بكل ما اتيت من دعاية وتحريض إلى التشويش على هذه الوحدة، سواء عبر دعم” جمهورية وهمية وخيالية” في الجنوب المغربي الذي ظل يشكل امتداد لعمقها التاريخي والحضاري والثقافي في منطقة الفضاء الأطلسي والساحلي ومنطقة الصحراء الكبرى.
لكن التشبث والولاء الدائم للشعب المغربي بملكه وعرشه هو تعبير عن إجماع واضح حول تشبث المغاربة بالوحدة الترابية للمملكة ورغبتهم في صون حرمتها، والذود عن حماها اعتبارا لكون الملك رمزا للوحدة والتكامل والتماسك الترابي بين مختلف مناطق البلاد، كما أن الاحتفال بعيد العرش أراده المغاربة أن يكون تعبيرا عن العهد بين العرش والشعب، فمنذ عام 1934 أصبح الاحتفال به يأخذ طابعا رسميا ومؤسساتيا، وهكذا ظهر عيد العرش وتواصل سنويا كعيد رسمي يجسد شعار “الشعب بالعرش والعرش بالشعب”. ومن الأدلة الحية على هذا الالتحام هو تأكيد الدساتير المغربية على روح علاقة البيعة التاريخية بين الملك وشعبه، وتنظيم المسيرة المظفرة ملكا وشعبا لاسترجاع الصحراء المغربية سنة 1975، والتصويت بأغلبية ساحقة على دستور 2011، الذي أرسى أسس دولة الحق والقانون والعدالة الاجتماعية.
حوار علي الانصاري
للتوصل بمستجدات الموقع كل يوم على بريدكم الالكتروني المرجو التسجيل في نشرتنا البريدية.