كسوة الكعبة.. أو حينما تعزف أنامل حرفيين مهرة على إيقاع حروف من ذهب

– و م ع: محمد حدادي —

هو عزف على الحروف بأنامل حرفيين مهرة، بخيوط رفيعة من الذهب والفضة والحرير، لا يضاهيه أي نوع آخر من الحياكة، لنسج كسوة الكعبة المشرفة، التي تستقطب أنظار وقلوب أزيد من ملياري مسلم عبر العالم.

 

تتكون هذه الكسوة من خمس قطع تغطى كل قطعة وجها من أوجه الكعبة المشرفة، فيما توضع القطعة الخامسة وهي الستارة على بابها، قبل أن يتم توصيل القطع بعضها ببعض.

 

واستعدادا لموسم الحج 1446 هـ، تم رفع الجزء السفلي من كسوة الكعبة بمقدار ثلاثة أمتار تقريبا، كما جرت العادة، حيث تمت تغطية الجزء المرفوع بإزار من القماش القطني الأبيض بعرض حوالي مترين من الجهات الأربع، يطلق عليه إحرام الكعبة. ويستخدم اللون الأبيض كنوع من الإعلان عن دخول وقت تأدية هذه الشعيرة.

 

وفي عادة متبعة سنويا، قامت الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، منذ منتصف ماي الماضي، برفع الجزء السفلي من كسوة الكعبة المشرفة بمقدار ثلاثة أمتار، وذلك استعدادا لاستقبال حجاج بيت الله الحرام لموسم حج 1446 هـ.

 

وتضمنت العملية فك الأجزاء السفلية، وفصل الأركان، ورفع الكسوة وتثبيتها على ارتفاع ثلاثة أمتار، قبل تثبيت القماش الأبيض وإعادة القناديل إلى أماكنها.

 

ويأتي هذا الإجراء السنوي في سياق المحافظة على سلامة الكسوة وحمايتها خلال الطواف في موسم الحج، وحرصا على عدم إتلاف أجزاء منها.

 

وقد استغرقت العملية نحو أربع ساعات متواصلة، وتمت بمشاركة 42 صانعا من مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة، حيث ر فع الجزء السفلي من الكسوة، وتمت تغطيته بإزار أبيض طوله 54 مترا، وعرضه 2.5 متر من الجهات الأربع. واستخدمت في ذلك 11 رافعة.

 

ويتيح رفع الكسوة للطائفين فرصة رؤية أستار الكعبة وهي مرفوعة في صورة تستقطب الأنظار والقلوب معا. كما يتيح وقاية الكسوة من أي أضرار قد تلحق بها جراء تعلق بعض الحجاج خلال الطواف.

 

وكانت الأنظار فيما مضى تترقب مراسم اكتساء الكعبة حلتها الجديدة كل عام، بعد صلاة فجر يوم التاسع من ذي الحجة، قبل أن يتم في 2022، تغيير موعد استبدال كسوة الكعبة، ليصبح في غرة شهر محرم.

 

اشهار وسط المقالات

ويصنع ثوب الكعبة المشرفة من الحرير الطبيعي الخالص الذي يصبغ باللون الأسود بارتفاع قدره 14 مترا ويشتمل الثلث الأعلى على الحزام وعرضه 95 سنتمترا بطول 47 مترا وهو مكون من 16 قطعة محاطة بالزخارف.

 

وفضلا عن القطع المذهبة لكسوة الكعبة، يشتمل الرداء على 17 قنديلا. وتزين هذه الكسوة بزخارف ذهبية تغطي الركن اليماني والحجر الأسود والميزاب، وتضم آيات كتبت بخط الثلث الجلي المركب.

 

وحرصا على جودة صنع كسوة الكعبة تتم تحلية المياه المستخدمة في الصباغة، قبل غسل الحرير وصبغه بالأسود بالنسبة للوجه الخارجي وبالأخضر للبطانة الداخلية، لتنطلق عملية حياكة الزخارف والآيات القرآنية بعد خضوع الأقمشة لاختبارات الجودة.

 

ويعمل على إنتاج كسوة الكعبة حوالي 200 عامل يتوزعون بين مطرزين، وحرفيين، وإداريين، فضلا عن تقنيي النسيج، في رحلة قد تصل إلى 10 أشهر قبل أن يصبح الرداء في أبهى حلة.

 

وتنتج كسوة الكعبة البالغ وزنها 1350 كلغ، بأفخر أنواع الحرير الطبيعي، ويتم تطريزها بخيوط من الذهب والفضة، وتتضمن 100 كلغ من أسلاك الفضة و120 كلغ من أسلاك الفضة المطلية بالذهب، ويست خدم فيها 1000 كلغ من الحرير.

 

وفضلا عن قطع حزام رداء الكعبة والقناديل، تتميز الكسوة بالستارة الخارجية لباب الكعبة التي يطلق عليها البرقع، وهي مصنوعة من الحرير بارتفاع ستة أمتار ونصف المتر وبعرض ثلاثة أمتار ونصف، كتبت عليها آيات قرآنية وتشتمل على زخارف ومطرزة بشكل بارز مغطى بأسلاك الفضة المطلية بالذهب.

 

وكان العرب قبل الإسلام حريصين على العناية بكسوة الكعبة. وفي حجة الوداع قام النبي (صلى الله عليه وسلم) بتغيير كسوة الكعبة المشرفة بأقمشة يمانية، وهو ما حرص الخلفاء الراشدون على اتباعه بعد ذلك.

 

وفي عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود تم افتتاح دار متخصصة لصناعة كسوة الكعبة بمكة المكرمة في العام 1927، أنتجت أول رداء سعودي للكعبة، قبل الانتقال إلى “مصنع كسوة الكعبة” في العام 1977 في أم الجود، أحد أحياء مدينة مكة، والذي أصبح يحمل فيما بعد اسم “مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة”.

 

ويظل رداء الكعبة المشرفة من العلامات المميزة لبيت الله الحرام، الذي جعله الله مثابة للناس وأمنا يأتيه الطائفون والقائمون والركع السجود من كل فج عميق، ومحط تعلق أنظار نحو ملياري مسلم من سكان العالم، يتخذون من أول البيت وضع للناس قبلة لهم منذ نحو 14 قرنا.

يمكنكم مشاركة المقال على منصتكم المفضلة
اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. نفترض أنك موافق على ذلك، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا رغبت في ذلك. قبولقراءة المزيد