هجرة الأطباء أخطر التحديات التي تواجه تطوير المنظومة الصحية بالمغرب

مصطفى قطبي

يعدّ واقع هجرة الأطباء المغاربة من أهم المواضيع الرئيسية التي تتطلب دراسة مستمرة، فالضرورة والخصوصية التي يتمتع بها المغرب يفرضان هذه الدراسة، من حيث الحاجة الماسة إلى هذه الكفاءات الطبية من جهة، ومن حيث النهب المستمر لهذه الكفاءات من قبل الدول الغربية سواء عن طريق الترغيب أو الترهيب، من أجل حرمان المغرب من مهاراتهم وخبراتهم وكفاءاتهم، وكذلك الاستفادة منهم، ذلك أنهم يستثمرونهم في حين أن بلدهم الأصلي أنفق المليارات من أجل إيصالهم إلى ما هم عليه من خبرة ومعرفة طبية، وتؤدي هذه العملية إلى آثار سلبية كبيرة على المغرب. ويُقدر عدد الأطباء المتخرجين سنوياً في المغرب بـ1400 طبيب، نصفهم يهاجر إلى الدول الأميركية والأوروبية التي ترحب وفق شروط استثنائية باستقدام الأطباء المغاربة المتخرجين حديثاً على غرار ألمانيا التي أصبحت تضم أكثر من 400 طبيب مغربي، إلى جانب فرنسا القبلة الأولى لتسرب الأطباء المهاجرين والتي تضم أكثر من 8 آلاف من الأطباء المغاربة. فهجرة الكفاءات الطبية

للدول الغربية، عملية انتقائية اصطفائية لذوي المهارات، وبالتالي فإن هذه العملية تمثل هدراً كبيراً للموارد البشرية المغربية العالية.

وفي هذا السياق كشفت دراسة حديثة أعدتها “مؤسسة أساتذة الطب بالقطاع الحر”، أن المغرب يفقد ما بين 600 و700 من إجمالي المتخرجين كل سنة، من كليات الطب والصيدلة. وأوضحت الدراسة التي حملت عنوان “هجرة الأدمغة في المجال الطبي بالمغرب.. تهديدات أم فرص؟”، أن هذه الأرقام تهدد بعجز في الموارد البشرية الطبية، إذ لا يتعدى معدل الأطباء 7.3 أطباء لكل 10 آلاف نسمة، وهو رقم بعيد عن معيار منظمة الصحة العالمية، المحدد بـ15.3 طبيب. وسلط المصدر ذاته الضوء على العراقيل التي يواجهها القطاع، ومن بينها انخفاض قدرة التدريب، وتسجيل تراجع مدرسي الطب، وصعوبة استعادة الأطباء المغاربة المقيمين بالخارج. وتؤكد أرقام حديثة لوزارة الصحة أنه إلى حدود شهر ديسمبر من العام الماضي يزاول 28 ألفا و892 طبيبا أعمالهم بالمغرب، في مقابل ممارسة ثلث الأطباء المتخرجين محليا لعملهم بالدول الغربية. وأبرزت الدراسة أن الأسباب التي تدفع الأطباء إلى الهجرة تتمثل أساسا في البحث عن ظروف عمل ومستقبل أفضل، خاصة في ما يتعلق بالراتب والفرص ومستوى الحياة، مضيفة أن مشكلات مجتمعية أخرى ترتبط بالصورة السلبية للأطباء في المجتمع تدفعهم أيضا إلى اتخاذ قرار الرحيل.

الأكيد اليوم أنّ هجرة الأطباء المغاربة وفقدان بعض التخصصات النادرة أصبحت ظاهرة مقلقة للغاية، لما لها من آثار سلبية على قطاع الصحة بخاصة وعلى المجتمع بعامة، وعند استنطاقنا للأرقام، فالمغرب اليوم يعاني من خصاص في الأطر الطبية والتمريضية، حيث نجد ما يقارب 30000 طبيب لـ36 مليون نسمة، وهو ما يعادل 7.3 أطباء لكل 10 آلاف نسمة، أما الطب الموازي، فلا تتجاوز كثافته 9 ممرضين لكل 10 آلاف نسمة، وهي أرقام ضعيفة مقارنة بتوصيات منظمة الصحة العالمية يضيف المتحدث ذاته، وهو المشكل الذي يعيق عملية تأمين وتحسين الخدمات الصحية الأساسية للمواطنين. أما الميزانية المخصصة للقطاع الصحي فلا تتجاوز 5.69 في المائة من ميزانية الدولة، في حين توصي منظمة الصحة العالمية الدول بتخصيص 10 إلى 12 في المائة. وهنا لابد أم نؤكد أنّ هجرة الأطباء المغاربة، هي جزء من مشكلة الهجرة العامة والمستمرة دون توقف، فالقطاع الصحي في المغرب يعاني من غياب نظام جذاب وتحفيزي للرأسمال البشري للقطاع الصحي العمومي لتجاوز نقص الموارد البشرية في القطاع العمومي. ولتأكيد المؤكد، فقد كشف وزير الصحة خالد آيت الطالب، الأربعاء 16 يونيو 2021، أن مستشفيات المملكة تعاني من خصاص هائل في الأطر الطبية، مشيرا إلى أن هذا النقص الحاصل في الموارد البشرية بقطاع الصحة هو “عجز بنيوي وكمي ونوعي”. ولفت الوزير إلى أن الكثافة الحالية لا تتعدى 1.7 مهني لكل 1000 نسمة، وهو ما يعني “خصاصاً مهولا يصل إلى 2.75 مهني لكل ألف نسمة”. بدوره كشف تقرير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان صدر العام الماضي ”النقص الكبير” على مستوى الأطر الصحية، لافتا إلى حاجة المغرب إلى 32 ألف طبيب إضافي، إلى جانب أكثر من 65 ألف مهني صحي، في مجالات التمريض والرعاية الطبية.

اشهار وسط المقالات

إنّ إشكالية الخصاص في الموارد البشرية واستمرار ظاهرة هجرة الأطر الصحية، يستدعي دق ناقوس الخطر لدى حكومة أخنوش، حتى لا تصبح هجرة الأطباء المغاربة جماعية، وهنا لابد من الرجوع لما قاله عزيز أخنوش، الأمين العام لحزب ”التجمع الوطني للأحرار”، أثناء تقديمه للخطوط العريضة لبرنامج حزبه، قبل أن يترأس الحكومة، فقد اعترف وأكد أنّ ”ما يعانيه المغاربة من مشاكل مرتبطة بقطاعي الصحة والحماية الاجتماعية، تمسّ بكرامة المواطن المغربي وثقته في المستقبل، إذ أنه في الوقت الذي يتحدثون عن أملهم في بعض القطاعات الأخرى، فقدوا أملهم في المستشفى العمومي. وأكد أنّ الصحة هي واحدة من الأولويات الثلاث عند المغاربة، وأنه مستعد لتحمّل مسؤولية إصلاحها في الحكومة المقبلة إذا منحت له الفرصة. وأشار أن حزب “الأحرار” لديه الرؤية والعزيمة لتغيير واقع قطاع الصحة، كما يتوفر على الطاقات البشرية والحلول الواقعية لتحقيق هذا الهدف، الذي يلزمه إصلاح شامل وليس حلول ترقيعية. وأبرز أن الولوج إلى العلاج هو الأولوية الكبرى للمواطن، وقطاع الصحة في حاجة إلى موارد مالية وبشرية إضافية، وإعادة الهيكلة، مشددا  أن الحزب يرغب في زيادة عدد الأطباء والممرضين، بمقدار 3300 طبيب في السنة، والاهتمام بهم ورد الاعتبار لهم وتوفير الظروف المناسبة لهم بدل الظروف المهنية والمادية الصعبة التي يشتغلون فيها، وأيضا توفير التجهيزات الطبية بالمستشفيات.

فهل تحقق شيء مما وعد به رئيس الحكومة أخنوش؟ للأسف كلام الانتخابات مثل الباطل وقبض الريح، ذهبت الوعود وبقي الواقع الصحي يواجه عدة تحديات، أما الخطط الحكومية التي كان من المفترض أن تؤدي إلى تحديد معالجة المشكلات والاحتياجات ذات الأولية، للأسف لم تكتمل البتة، بل إن هذه الخطط أغفلت جوانب جد أساسية ومهمة للغاية، والتي تتعلق بتأهيل الأطباء ورفع أجورهم، وضمان استمرارهم في خدمة بلدهم من خلال زيادة الرواتب والأجور وسد الفجوة التي ظهرت نتيجة هجرة الكثير منهم بحثاً عن فرصة عمل تؤمن لهم ولعائلاتهم العيش الكريم.

وفي تقديرنا فالحكومة معنية بالدرجة الأولى لوضع خطط وحلول عاجلة لهذه المشكلة الخطيرة، التي تهدد المجتمع المغربي ومؤسساته الطبية من جراء تفريغها من مواردها البشرية، وإن إشكالية قلة الموارد البشرية الصحية بعامة والأطباء على وجه الخصوص، لن تحل في تقديرنا الخاص، باللجوء إلى خيار استقدام أطباء أجانب للعمل في المغرب، وهنا نتأسف للجوء وزارة الصحة المغربية للحلول والبدائل السهلة، والاستعانة بهذا الخيار في الوقت الذي كان أطباء المغرب ينتظرون إعمال مقاربة تشاركية شمولية، واتخاذ إجراءات تشريعية وتنظيمية ترمي إلى إرساء آليات تحفيزية في القطاع الصحي قصد الحد من ظاهرة هجرة الكفاءات المغربية إلى الخارج التي اتسعت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، وكذا من أجل تحفيز وتشجيع الأطر الطبية على الاشتغال داخل أرض الوطن، والعمل في المناطق النائية والبعيدة عن المركز، بخاصة تلك التي تعاني  من الخصاص الكبير في الموارد البشرية الصحية.

وهنا لابد من التأكيد أنّ مواجهة التحديات التي تعترض المنظومة الصحية في الجانب المتعلق بضعف وقلة الموارد البشرية لا يقتصر على خيار الانفتاح على الكفاءات الأجنبية فقط، بقدر ما يتطلب الأمر الرفع من المناصب المالية المخصصة للقطاع الصحي، والاستثمار في الرأس المال البشري المغربي، وتوسيع وتعميم إحداث جامعات وكليات الطب، والمستشفيات الجامعية، ومعاهد معتمدة للمهن شبه الطبية والبيوطبية، بجميع جهات المغرب، والاهتمام بالتعليم العالي في المجال الصحي، وفتح المجال أمام ولوج فئة أكبر من الطلبة المغاربة لكليات الطب بمختلف تخصصاتها، إلى جانب إجراءات عديدة أخرى لا يتسع المجال لذكرها، وعلى الحكومة دعم القطاع الصحي، وتحسين مناخ الاستثمار في قطاع المصحات الخاصة، بهدف خلق تطور صحي يستفيد منه المواطن أثناء الولوج للخدمات الصحية.

يمكنكم مشاركة المقال على منصتكم المفضلة
اترك تعليقا