الاستجابة للتحديات: تقييم السياسات العمومية في ظل الدخول السياسي الراهن

نجوى القاسمي

على بعد نحو أيام قليلة من افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، من طرف الملك محمد السادس، تكتنف الدخول البرلماني الجديد، رهانات وتحديات عديدة على أجندة تشريعية مكثفة تشمل ملفات حساسة ومصيرية.

تأتي هذه الدورة في وقت يعاني فيه المغرب من ضغوط اجتماعية واقتصادية متزايدة، ما يجعل الملفات المعروضة على أجندة العمل البرلماني ذات أهمية خاصة تتطلب حلولًا عاجلة وفعالة.

أبرز الملفات المطروحة: أحد أهم التحديات التي تواجه البرلمان المغربي في هذه الدورة هو أزمة طلبة الطب، والتي تمثل اختبارًا للعلاقة بين الحكومة والقطاع الصحي. تتعلق هذه الأزمة بمسائل تكوين الطلبة وضمان اندماجهم في سوق العمل، وهو ما يعكس مدى قدرة الدولة على التعامل مع الاحتياجات المتزايدة للقطاع الصحي، خاصة في ظل الأزمات الصحية المحتملة التي تتطلب تأهيل المزيد من الأطر الطبية. من الضروري أن تتوصل الحكومة إلى حلول تراعي مطالب الطلبة وتحقق توازنًا مع ضرورة الحفاظ على استمرارية الخدمات الصحية.

على الجانب الاجتماعي، يبرز إصلاح أنظمة التقاعد كملف آخر شديد الحساسية. يشكل هذا الإصلاح تحديًا رئيسيًا للنظام الاجتماعي في المغرب، حيث تواجه صناديق التقاعد ضغوطًا كبيرة نتيجة تزايد عدد المتقاعدين وارتفاع معدل الحياة. من المتوقع أن تسهم الإصلاحات المرتقبة في تحسين استدامة الصناديق التقاعدية، لكن قد تكون لها آثار اجتماعية تتطلب اهتمامًا من الحكومة والبرلمان في ضمان التوازن بين استدامة الأنظمة وحماية حقوق المتقاعدين.

مشروع القانون التنظيمي للإضراب يمثل تحديًا آخر، إذ يسعى هذا القانون إلى تنظيم حق الإضراب بما يحقق التوازن بين حماية حقوق العمال وضمان استمرارية العمل في القطاعات الحيوية. القانون يأتي في سياق توتر اجتماعي متزايد مع النقابات العمالية، ما يزيد من الضغط على الحكومة في صياغته بشكل يحقق توافقًا بين مختلف الأطراف.

على صعيد العدالة، يشكل إصلاح منظومة العدالة وإرساء أسس الدولة الاجتماعية أحد أبرز الرهانات المطروحة. تركز الحكومة في هذا السياق على استكمال مسار الإصلاحات القانونية، بما في ذلك مشروع قانون المسطرة الجنائية، الذي يتوقع أن يعزز العدالة الجنائية ويضمن حماية أكبر لحقوق المتقاضين. كما تسعى إلى استكمال مشروع قانون المسطرة المدنية، وهو خطوة تهدف إلى تحسين كفاءة العدالة المدنية وتسريع معالجة القضايا.

الوضع الاجتماعي والاقتصادي في المغرب يزيد من حجم التحديات التي تواجه البرلمان. في الأشهر الأخيرة، تعرض المغرب لأزمات متلاحقة مثل الفيضانات التي أدت إلى خسائر في الأرواح والممتلكات، مما يزيد من التوتر الاجتماعي ويضاعف من حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الحكومة في الاستجابة لمطالب الشارع. كما أن قضية الهجرة غير الشرعية، والتي تمثلت في “الهروب الكبير”، تلقي بظلالها على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، ما يضع المؤسسة التشريعية أمام اختبار لقدرتها على تقديم حلول فعلية لهذه القضايا الملحة.

في ظل هذه التحديات، يجد البرلمان نفسه في مواجهة مطالب ملحة من مختلف الأطراف، بما في ذلك النقابات العمالية والمجتمع المدني، الذي يتطلع إلى إجراءات ملموسة لتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. هذه الدورة التشريعية قد تكون اختبارًا حقيقيًا لنجاعة المؤسسة التشريعية وقدرتها على صياغة حلول عملية تواجه التحديات الراهنة وترسم مسارًا للتنمية المستدامة.

تقييم الأداء الحكومي وأجندة تشريعية مكثفة في ظل التحديات الراهنة

تعتبر مريم بليل باحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية أن هذه الفترة حاسمة في المسار السياسي والتشريعي، حيث لم يعد هناك مجال للانتظار أو الحديث عن انسجام الأغلبية أو ترسيخ العمل الحكومي. نحن في مرحلة ينبغي فيها تقييم النتائج الملموسة لأداء الحكومة. لقد انقضت الفترة التي يمكن فيها تبرير التأخير أو عدم الانسجام، وبات المواطنون يتوقعون رؤية نتائج حقيقية على أرض الواقع.

تابعت قائلة في تصريح خصت به صحيفة مغربنا 24 “هذه المرحلة تتيح للبرلمان استخدام أدوات التقييم العمومي التي مُنحت له بموجب دستور 2011، بهدف تحليل فعالية السياسات العمومية. يجب أن يكون واضحًا ما إذا كانت التدابير الكبرى التي يعتمدها المغرب تحقق النتائج المرجوة ولها أثر إيجابي على المجتمع.”

كما أكدت الباحثة أن هناك أربع دورات تشريعية، تُخصص الدورة الأخيرة من السنة التشريعية لمناقشة قوانين الانتخابات، مما يترك لنا ثلاث دورات فعالة فقط. من بين هذه الدورات، يستحوذ قانون المالية على جزء كبير من الدورة الخريفية كل عام، مما يتركنا فعليًا بدورة تشريعية واحدة للتعامل مع القوانين المهمة والعاجلة.

أكدت مريم بليل أن البرلمان في العامين القادمين سيواجه مجموعة من التحديات التشريعية الكبيرة، حيث ستشمل أجندته ليس فقط سن القوانين، ولكن أيضًا ممارسة الرقابة وتقييم السياسات العمومية. ويهدف هذا التقييم إلى التأكد من أن السياسات المتبعة تحقق فعالية كافية وتلبي احتياجات المجتمع.

الحاجة إلى استراتيجيات استباقية وتعزيز التواصل مع المواطنين

يُظهر الدخول السياسي الحالي تعقيدات تتعلق بتحديات متعددة، مما يعكس الفشل النسبي للسياسات العمومية المتعلقة بالقرب. عند استعراض البرنامج الحكومي الذي بُني عليه تشكيل البرلمان الحالي، تظهر القضايا الرئيسية التي تم التركيز عليها وهي التعليم، الصحة، والتشغيل.

فيما يخص التعليم، يتبين وجود خلل في تدبير هذا القطاع، حيث تعاني الحكامة والتوقعات الاستباقية من أوجه قصور ملحوظة. كما أننا أمام سنة دراسية شبه بيضاء في كليات الطب والصيدلة بينما يواجه المغرب مشاكل جسيمة في القطاع الصحي. من الضروري اعتماد سياسات استباقية لمعالجة هذه القضايا قبل تفاقمها.

أما فيما يتعلق بالتشغيل، فإن ارتفاع نسبة البطالة وظهور التضخم وغلاء المعيشة تشير إلى وجود فشل في تحقيق الأهداف المنشودة. كما أن السياسة القريبة تُظهر غياب الحكومة عن معالجة الأزمات المحلية، كما حدث في أحداث الفنيدق، حيث كان من المتوقع تفاعل أكبر من الحكومة والمجتمع السياسي.

كما يتطلب تعزيز الثقة بين الحكومة والمواطنين توفير معلومات دقيقة وموثوقة، إذ تسهم هذه المعلومات في رفع مستوى وعي المجتمع وتساعد المواطنين في مواجهة التحديات. إن غياب المعلومات الرسمية يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأزمات وزيادة شعور المواطنين بالانفصال عن القرار السياسي. لذلك، ينبغي على الحكومة تبني استراتيجيات فعالة للتواصل مع المواطنين وتعزيز الشفافية، مما يسهم في مواجهة التحديات الراهنة.
تقييم السياسات العمومية
إقرأ أيضا…


اكتشاف المزيد من مغربنا24 - Maghribona24

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

تعليقات ( 0 )

اترك رد