قد يبدو للبعض أن المغرب ”ممتن” لفرنسا ”تصريحها” المتأخر بخصوص واجهة مبادرة الحكم الذاتي كحل توافقي لقضية الصحراء المغربية. وقد يظن ذلك ”البعض” بأن فرنسا ضحت بعلاقاتها مع الجزائر من أجل إرضاء المملكة الشريفة، مما يحتم على الأخيرة منح شركات الإليزيه الأفضلية بخصوص أوراش البنية التحتية الخاصة باستضافة كأس العالم 2030. وقد يرى آخرون بأن فرنسا تريد استعادة التوازن في علاقاتها مع المغرب، والذي انحاز في السنوات الأخيرة إلى التعاون أكثر مع الولايات المتحدة وإسبانيا على حساب المستعمر السابق. قد تكون كل تلك ”الفرضيات” صحيحة بعض الشيء أو هي جزء من الهدف الفرنسي، لكن هل يعني ذلك أن المغرب محتاج لفرنسا أكثر من حاجة فرنسا له ”سياسيا على المستوى الإقليمي على الأقل”؟
لا أظن، فمن يتتبع تراجع بل “طرد” فرنسا من غرب أفريقيا وخسائر شركاتها، وقفل الأبواب أمامها، في مقابل الحضور القوي للمغرب، سواء في البلدان التي تراجعت فيها فرنسا أو في تلك التي طردت منها ”بلدان الساحل”، يجزم بأن المملكة المغربية تعيد فتح الأبواب الموصدة في وجه فرنسا للعودة إلى إقليم حيوي بالنسبة لها على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، ففرنسا ليست دولة عظمى بدون امتدادها الاستعماري. الباب الذي فتحته المملكة الشريفة لفرنسا، لم يكن بوسع الجزائر، المطرودة بدورها من عمقها الاستراتيجي الإفريقي، تمكين فرنسا منه.
وفي هذا الإطار لا شك بأن المغرب الممتد إلى صحرائه وبكامل سيادته، أنفع لحليفه الفرنسي وأقدر على تمكينه من العودة إلى امتداده الإفريقي الحيوي. مما يجعلنا نعتبر بأن فرنسا في حاجة أكثر للمغرب حاليا، فالمغرب قد يكون الجسر الذي تعبر منه فرنسا عائدة إلى استرجاع ما فقدته. المغرب بمشروعه التنموي وموانئه في الصحراء وطريقه السيارة الممتدة من الشمال للجنوب وباستقراره سيكون بوابة أوروبا نحو أفريقيا وبوابة الأخيرة نحو العالم.
فرنسا عاشت وتعيش في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون أزمات في سياستها الخارجية عموما والإفريقية خاصة لم تشهدها من قبل. وفرنسا الماكرونية التي ارتكبت أخطاء تلو أخطاء، حجمت من مكانتها الدولية والإفريقية. لا بد أن تعي بأن المغرب بتقديمه لهذه الفرصة، يستحق أكثر من مجرد إعلان أو تصريح متوج بتوقيع قصر الإليزيه، قد يجمد أو يتراجع عنه أول رئيس يصل لرئاسة فرنسا ما بعد ماكرون، إما أرضا للجزائر أو من أجل إعادة التوازن لعلاقات فرنسا بالبلدين.
وبالتالي، المطلوب من الصديق الفرنسي، أكثر من مجرد تصريح، بل الفعل على مستوى مجلس الأمن لتجسيد الواقعية المغربية المتمثلة في مبادرة الحكم الذاتي على أرض الواقع وقانونيا، خاصة وأنها دولة دائمة العضوية في المجلس الأممي ويمكنها فعل الكثير. والدبلوماسية المغربية بدورها مطالبة بالانتقال من بذل جهود خارقة من أجل استجداء مجرد تصريحات ”لا تجدي نفعا”، بوجاهة مبادرة الحكم الذاتي إلى التركيز على تجسيد “الدعم الدولي للمبادرة” كحل نهائي واقعي وقانوني ينهي هذه القضية المختلقة. وهذا يتطلب الواقعية والحرفية الدبلوماسية في عالم يعيش تناقضات مركبة.
اكتشاف المزيد من مغربنا24 - Maghribona24
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
تعليقات ( 0 )