* الاستاذ الباحث في الثقافة والتواصل جواد عبيد : للاحتفال بعيد المولد  النبوي في فاس طابعه الخاص والمميز

*فاس العاصمة الصوفية لغرب افريقيا نظرا للامتدادات الدينية لزواياها

*يستثمر أهل فاس ذكرى المولد النبوي للتجمل والتزاور وصلة الرحم واحتساء كؤوس الشاي المغربي وما يرافقه من حلوى ومكسرات وقصعات الكسكس و روائح البخور التي تضفي على المكان مسحة روحية خاصة.

مقدمة

للاحتفال بذكرى عيد المولد النبوي الشريف ، ميزة خاصة بالمغرب ، وتراكمات تاريخية ودينية، لامثيل لها في العالم عامة وفي بلدان الاسلامية خاصة.

 ورغم  كون غالبية مناطق المغرب تحتفل بهذه المناسبة الدينية  السنوية ببعدها التاريخي و “التقليدي”، إلا أن احتفال فاس ،العاصمة العلمية للمملكة بهذه  المناسبة له طابع خاص، حيث تعرف فاس زيارات  لعدد من  اتباع الزوايا الصوفية من  جل مناطق المغرب ومن عدة بلدان افريقية، نظرا للامتدادات الصوفية لهذه الزوايا، إذ تزدهر السياحة الدينية في هذا الفترة من السنة، ففاس عاصمة صوفية مغاربية بل افريقية.

 في هذا الحوار مع  السيد جواد عبيد أستاذ بمعهد ايماتيك للصحافة والإعلام وباحث في الثقافة والتواصل. وابن مدينة فاس، يتناول بشكل عام فلسفة الأعياد في ثقافتنا المغربية وفي فاس خاصة حيث  يعتبر عيد أو ذكرى المولد النبوي،  ذا أولية واهتمام  خاص ” وكأن دعاء مؤسسها المولى إدريس الأول قد صبغ أيامها و أحوالها بديمومة الإستجابة… “، ويتمظهر ذلك في تعدد أشكال الإعداد والاستعداد لمناسبة المولد النبوي، بحسب عبيد”

يستثمر أهل فاس وعلى غرار كل المغاربة ، ذكرى المولد النبوي للتجمل والتزاور وصلة الرحم واحتساء كؤوس الشاي المغربي وما يرافقه من حلوى ومكسرات وقصعات الكسكس و روائح البخور التي تضفي على المكان مسحة روحية خاصة.

 نص الحوار :

*كيف تستعد مدينة فاس لاستقبال هذه المناسبة الدينية، وهل هناك طقوس خاصة بأهل فاس؟

 أولا أتقدم بخالص شكري وتقديري موقع مغربنا بريس 24 ،على شرف الاستضافة، وقبل أن أجيب على سؤالكم، لابد من تحديد فلسفة الأعياد في ثقافتنا المغربية بتعدد روافدها.

للأعياد في فاس مذاق خاص وفريد إلى حد الاستثناء فلسفةً وممارسةً، ذلك أن عمقَ الاحتفال وشكلَهُ محكومان  باثني عشر قرنا من الحضارة والرقي، وقبل التفصيل في هذا، لابد من فهم واستكناه فلسفة العيد عند الإنسان بشكل عام وعند أهل فاس بشكل خاص من الناحية الثقافية والأنتربولوجية. ولفهم رؤيا الانسان في استحداث فكرة العيد كفعل مرادف للاحتفال، لابد من طرح السؤال السلبي : ماذا لو كانت أيامنا خالية من الأعياد والمناسبات، السؤال من هذه الزاوية يبدو مخيفا ومرعبا، ذلك أن الحياة اذا خلت من الأعياد ستمسي جافة وقاسية وغير ذات معنى، وستصبح كما قال نزار قباني *ستصبح الايام لا طعم لها وتصبح الحقول لا لون لها وتصبح الاشكال لا شكل لها ويصبح الربيع مستحيلا والعمر مستحيلا.

إن مجرد تصور الحياة بلا أعياد يدخلنا في دائرة العدمية والموت على الصعيد الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والروحي، فبغياب العيد تغيب آثاره ومستلزماته لأن فلسفة الاعياد مبنية على فلسفة الفرق ،والفرق يصنع المعنى ويثمنه ويعلي قيمته ،لولا العيد لتحولت الأيام الى أرقام تكرر وتستنسخ بعضها فالسبت كالأحد والاثنين والثلاثاء والاربعاء والخميس إلا أن الجمعة تشكل الاستثناء والعيد ولهذا طعمها مختلف وطقوسها وتجلياتها الثقافية مختلفة وماتعة، وكذلك الأعياد الأخرى، لهذا تتوزع الأعياد في نمط حياتنا أسبوعيا وشهريا وسنويا، مما يعكس عمق تجربة العيد في الثقافة العربية الإسلامية والأمازيغية المغربية، التي تسعى إلى توزيع العيد على امتداد السنة، حتى تجعل الاحتفال والفرح مفصليا في حياتنا، وبهذا نكسر رتابة الأيام ونخلق الفرح والاحتفال والعيد.

أما عن استعداد مدينة فاس للاحتفال بالمولد النبوي، فتستمد احتفالية المولد النبوي بفاس عمقها الثقافي والروحي من العمق الحضاري لفاس على امتداد أكثر من اثني عشر قرنا من  التعاقد الروحي، وتتمظهر هذه الهوية الروحية في كل الأعياد والمناسبات الدينية ومن بينها عيد أو ذكرى المولد النبوي، لذلك أولى المغربي اهتماما خاصا و متميزا لهذه الأعياد والمناسبات، محبة لله ورسوله، و يتمظهر ذلك في تعدد أشكال الإعداد والاستعداد لمناسبة المولد النبوي، حيث يتم الاستعداد لها شعبيا ورسميا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وروحيا، وكأن دعاء مؤسسها المولى إدريس الأول قد صبغ أيامها و أحوالها بديمومة الإستجابة….وإنما أردت ببنائها أن تعبد بها ويتلى بها كتابك وتقام بها حدودك وشرائع دينك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ما بقيت الدنيا…

* ما هي مظاهر احتفال مدينة فاس وأهلها بالمولد النبوي الشريف؟

*تتعدد وتتنوع مظاهر احتفال أهل فاس بالمولد النبوي الشريف جريا على عادة أجدادهم الذين هاموا حبا في رسول وآل بيته منذ الدولة الإدريسية، فعلى المستوى الديني والروحي، دأب المجلس العلمي لفاس وباقي المؤسسات الدينية كالمساجد والزوايا على الاحتفاء بالذكر والمديح وتلاوة القرآن واستعراض أوجه من السيرة النبوية العطرة، ولا يقتصر الاحتفاء فقط على هذه المؤسسات الروحية والصوفية ،بل اعتادت العوائل المغربية على إقامة حلقات للذكر والتسبيح والمديح النبوي بالمنازل والبيوت، أما على الصعيد الاجتماعي والثقافي، فإن أهل فاس وعلى غرار كل المغاربة يستثمرون ذكرى المولد النبوي للتجمل والتزاور وصلة الرحم واحتساء كؤوس الشاي المغربي وما يرافقه من حلوى ومكسرات و”قصعات” الكسكس و روائح البخور التي تضفي على المكان مسحة روحية خاصة، والحقيقة أن الإنسان الفاسي والمغربي يعبر عن عمق تحضره ورقيه في تصيد المناسبات لتغذية وإغناء ذاته روحيا وجماليا، عبر استثمار كل مداخل التواصل هذه من عين وشم وذوق وحس وروح.

*هل هناك أنشطة تجارية تزدهر في فاس خلال هذه المناسبة؟

*الجانب الأهم والخفي في مثل هذه المناسبات هو الجانب الاقتصادي والتجاري، لأن هكذا أعياد ومناسبات ومواسم تنعش تجاريا العديد من المهن والحرف، وتخلق سيولة في دورة الاقتصاد، كما تخلق حالة من الفرح العام الناتج رفع مستوى العيش والدخل وهذه إحدى مقاصد الأعياد والمناسبات.

 في هذا السياق نشير إلى انتعاش حرف الصناعة التقليدية المرتبطة باللباس والنعال والفواكه الجافة والبخور والحناء الحلويات الفاسية وبعض الأنشطة التجارية كبيع الدواجن الدجاج البلدي وغيره والعديد من الحرف والأنشطة التجارية الصغرى.

*ما مظاهر الاختلاف في الاحتفال بعيد المولد النبوي  قديما وحديثا بفاس  ؟

*هذا سؤال شديد الأهمية لكونه يطرح سؤال السيرورة والتغير وسؤال الهوية.

لا شك أن الأعياد والمناسبات وكل أشكال الاحتفال هي أنساق ثقافية وقيمية وأنتربولوجية تعكس نمط أمة ما في التفكير والعيش والقيم، وكل تغيير يطال هذه الأنساق قد يكون هادما لهذه الهوية، ومؤسسا لهوية مغايرة وجديدة، وهذا هو صلب موضوع الحداثة، لأن الحداثة ما هي إلا صراع بنيات ثقافية، وعليه وللحقيقة، لابد من التأكيد على أن الشعب المغربي ومؤسسات الدولة المغربية لا يزالان يحافظان بشكل واضح ،رغم بعض الاستثناءات على طقوس الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، مع بروز اتجاهات، بحكم التغيرات الاقتصادية والاجتماعية و منطق الأولوية، تسعى إلى التخلي عن الاحتفال بمثل هذه المناسبات دون وعي بتبعات هذا التخلي على منظومة القيم والاجتماع والاقتصاد والثقافة وبالتالي الهوية.

عادة “الفطور بالعصيدة” صباح المولد النبوي الشريف بفاس


اكتشاف المزيد من مغربنا بريس 24

اشترك للحصول على أحدث التدوينات في بريدك الإلكتروني.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك رد