عز الدين المزروعي: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين جودة الترجمة الآلية للغة العربية؟

 

أكد عز الدين مزروعي، الأستاذ بكلية العلوم بجامعة محمد الأول بوجدة ورئيس فريق المعالجة الآلية للغات الطبيعية، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الترجمة الآلية من وإلى اللغة العربية تواجه تحديات كبيرة تتعلق بالطبيعة المعقدة لبنية اللغة العربية، بالإضافة إلى السياق الثقافي الخاص بها. وأوضح مزروعي أن أحد أبرز هذه التحديات يكمن في النظام الصرفي الغني للغة العربية، الذي يعتمد على الجذور والأوزان، مما يضيف تعقيدات إضافية في عملية الترجمة.

 

التحديات الصرفية والاشتقاقية

وأشار مزروعي إلى أن الترجمة الآلية من اللغة العربية وإليها تواجه صعوبات خاصة في التركيب الصرفي، حيث تشتق الكلمات من جذور ثلاثية أو رباعية بأوزان مختلفة، مما ينتج عنه معاني دقيقة ومتنوعة. وكمثال على ذلك، ذكر كلمة “فرمت” التي تضم حرفا أصليا وآخر زائدا، مما يضاعف من صعوبة الترجمة.

بالإضافة إلى ذلك، يعتبر غياب حركات التشكيل في النصوص العربية تحديًا آخر، حيث يؤدي هذا الغياب إلى تعدد معاني الكلمة الواحدة. على سبيل المثال، كلمة “فهم” قد تحمل معاني مختلفة بناءً على التشكيل، وهو ما يصعب على الأنظمة الآلية تحديد المعنى الصحيح في غياب هذه الحركات.

أما فيما يتعلق بـ السياق الثقافي، فقد أشار مزروعي إلى أن الترجمة الآلية تعتمد أساسًا على تحليل النصوص المجردة، مما يجعلها غير قادرة على فهم المعاني الثقافية العميقة أو التعابير المجازية المرتبطة بالثقافة العربية. فالتعابير مثل الأمثال أو الرمزية الثقافية قد تضلل الأنظمة الآلية بسبب غياب الفهم الشامل للسياقات الاجتماعية.

 

وأكد مزروعي أن التغلب على هذه المشكلة يتطلب دمج المعرفة الثقافية في نماذج الترجمة الآلية، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال تدريب الأنظمة باستخدام مجموعات بيانات متنوعة تشمل نصوصًا من الأدب العربي والخطاب الثقافي، مع التركيز على الاختلافات الإقليمية لضمان معالجة دقيقة للتنوع الثقافي داخل العالم العربي.

وفيما يخص الذكاء الاصطناعي، أفاد مزروعي بأن التقنيات الحديثة المدعومة بـ الشبكات العصبية العميقة تعتبر الحل الأمثل للتعامل مع هذه التحديات. وأوضح أنه لا بد من توفير كميات ضخمة من البيانات لتدريب الخوارزميات، مما يعزز قدرتها على معالجة التعقيدات الصرفية والنحوية للغة العربية. وأضاف أن هذه الخوارزميات الحديثة تتيح للأجهزة فهم الجذور والتعامل مع أشكالها المشتقة بناءً على تحليل سياق الجملة.

 

الترجمة الآلية والمترجم البشري: التحدي والفرصة

وفيما يتعلق بمستقبل مهنة المترجم، أكد مزروعي أن الترجمة الآلية، رغم فعاليتها في معالجة النصوص البسيطة والمباشرة، إلا أنها ما تزال تواجه صعوبة في النصوص الأدبية أو القانونية التي تتطلب دقة في فهم المعاني والمرامي. كما أن الترجمة التي تأخذ في اعتبارها السياق العاطفي أو الثقافي لا تزال بحاجة إلى تدخل بشري لضمان دقة المعنى.

 

وأكد الخبير أن الذكاء الاصطناعي سيظل مكملًا لدور المترجم البشري، وليس بديلاً له. من المحتمل أن يشهد المستقبل تعاونًا بين التكنولوجيا والمترجمين البشريين، حيث تستخدم التكنولوجيا لتسريع العمليات الروتينية، بينما يظل الإنسان مسؤولًا عن التعامل مع المهام الأكثر تعقيدًا.

 

واقع الترجمة الآلية في المؤسسات العربية

أما بالنسبة لجهود المؤسسات الأكاديمية والجامعية في مجال خدمة اللغة العربية من خلال الترجمة الآلية، فأشار مزروعي إلى أن الجامعات تسعى لتطوير تقنيات الترجمة، لكنها لم تتمكن بعد من إنتاج نماذج قوية على المستوى العالمي، وذلك بسبب نقص الموارد المخصصة لتطوير البنية التحتية التقنية اللازمة. وأضاف أن التعاون بين المؤسسات الأكاديمية وشركات التكنولوجيا الكبرى لا يزال محدودًا، وهو ما يعرقل تقدم النماذج اللغوية على المستوى العالمي.

وفي ختام حديثه، دعا مزروعي إلى تعزيز الشراكات بين المؤسسات الأكاديمية وشركات التكنولوجيا الكبرى، وتشجيع تأسيس مراكز أبحاث متخصصة في مجال الترجمة الآلية. كما أكد على ضرورة توفير ميزانيات أكبر لدعم الابتكار البحثي وتسريع تطور هذا القطاع، خاصة عبر تنظيم مسابقات ومنح بحثية تهدف إلى تعزيز الابتكار في هذا المجال.

 

وأوضح أنه من الضروري أيضًا إنشاء قواعد بيانات شاملة ومتنوعة تحتوي على نصوص عربية من مختلف التخصصات لتحسين جودة الترجمة الآلية، خاصة للنصوص المتخصصة في الأدب والتكنولوجيا.

 

إقرأ أيضا….

يمكنكم مشاركة المقال على منصتكم المفضلة