حوارمع الفيلسوف النمساوي هانس كوكلر حول الحرب بين حماس واشرائيل

أجرى الحوار: د. حميد لشهب، النمسا

الفيلسوف النمساوي هانس كوكلر Hans Köchler من المفكرين الغربيين المعاصرين الناذرين، الذين تبنوا في فكرهم وممارستهم العملية النضال إلى جنب الشعوب الضعيفة من أجل حقوقها واستقلالها. وهو معروف في الغرب كمدافع عن القضايا العربية، من خلال مواقفه النبيلة وخطاباته في المحافل الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، ولجن مختلفة للإتحاد الأوروبي. ومن بين القضايا التي تبناها هي القضية الفلسطينية، حتى ليتهيأ للمرء وهو يتابع أنشطه للدفاع عن حق الفلسطينيين في أرضهم، بأنه من أصل فلسطيني. وقد كانت قضية لوكوربي من القضايا التي أثارها، واشتغل عليها طويلا، لأنه كان عضوا مراقبا، مستقلا في هذه المحاكمة، وخرج بتقرير يطعن في أمور شتى في هذه المحاكمة وتحيزها وابتعادها عن مبدأ الحياد ومبدأ العدل. بفضل تخصصه في الفلسفة السياسية والقانون الدولي، وتسلحه من جهة بالمنهج الفينومينولوجي وميوله للنزعة الإنسانية في الفكر الغربي، استطاع بناء وعي فلسفي سياسي وقانوني، تعكسه مؤلفاته الغزيرة في هذا الميدان.

أجرينا معه هذا الحوار بمناسبة الأحداث الأخيرة في غزة، وكعادته لم يتهاون في الإدلاء بوجهة نظره في مختلف جوانب هذه الكارثة الإنسانية، واضعا الأصبع على موضع الداء: غطرسة الغرب وميولاته الهيمنية والكيل بمكيالين، طبقا لمصالح الإقتصادية والإستراتيجية.

– عندما نتمعن المظاهرات الحاشدة التي نظمت في بعض العواصم الأوروبية مؤخرا (لندن مثلا)، الداعمة لحق الفلسطينيين ورفض إبادتهم ومحاصرتهم من طرف إسرائيل (والغرب)، يتكون لدينا انطباع وكأن الوعي الغربي الشعبي قد استيقظ بالفعل ويرفض سياسة الكيل بمكيالين. هل هذا صحيح؟

– لا ينطبق هذا بعد على الوعي الغربي ككل، لكنه ينطبق على جزء متزايد من السكان، وخاصة الشباب المثقف، الذين كانوا بالفعل القوة الدافعة للتغيير الاجتماعي خلال حرب فيتنام (أيضا في الولايات المتحدة). بالإضافة إلى ذلك، هناك أيضًا مؤمنون متجذرون في المعتقدات المسيحية يرفضون الظلم الواقع على الفلسطينيين لأسباب أخلاقية ويتناولون أيضًا معاناة المسيحيين في فلسطين. أعرف أيضًا أناسًا “بسطاء” في أرياف النمسا يدينون السياسات العنيفة في فلسطين من منطلق الإحساس الخالص بالعدالة. وقد برزت هنا النساء بشكل خاص، كما يتبين من تصريحات السيدتين السياسيتين في إسبانيا وبلجيكا. ومن المثير للاهتمام أيضاً في هذا السياق، التصريح الذي أدلى به نائب الرئيس الأمريكي في دبي قبل بضعة أيام بأن معاناة الناس في غزة ” يكسر القلب heartbreaking “. ومن المؤسف أن هناك أيضاً نواة صلبة من العنصرية الضيقة الأفق المناهضة للعرب والاستياء المناهض للإسلام، الذي يرى أن تحيزاته تتعزز سياسياً بسبب الأحداث المحيطة بإسرائيل/فلسطين. يكفي إلقاء نظرة على صفحات التعليقات في بعض الصحف الشعبية.

– يدعم الغرب حركات تحرر بعينها، بل يشجعها ويدعمها بكل السبل، وينعت أخرى بالإرهاب، كما يحدث مع حركات الإستقلال في فلسطين ودول عربية أخرى. على أي أساس يقوم هذا التمييز بين حركات الإستقلال الذاتي؟

– يوضح هذا مرة أخرى معنى مقولة “الإرهابي عند رجل هو مناضل من أجل الحرية عند رجل آخر” – والعكس صحيح. وقد أشار المستشار الاتحادي برونو كرايسكي إلى المشكلة في النقاشات التي دارت آنذاك حول منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها ياسر عرفات. واعتماداً على مصالح الفرد، يمكن اعتبار نفس الفعل عملاً إرهابياً في وقت ما، ونضال من أجل الحرية في وقت آخر. نحن النمساويون على دراية بهذه المشكلة منذ وقت الصراع في جنوب التيرول، عندما كان أولئك الذين دافعوا عن حق سكان التيرول في تقرير مصيرهم يُنظر إليهم على أنهم مقاتلون من أجل الحرية، بينما في إيطاليا تم نبذهم وإدانتهم باعتبارهم إرهابيين. وهذه حالة كلاسيكية من المعايير المزدوجة، طبقا للتشكلة السياسية التي تتحدث. في التاريخ، كان أي شخص قوي يحاول نزع الشرعية عن منافسه. من يكون في السلطة، من يسيطر على منطقة ما (حتى لو احتلها بالقوة أو – على سبيل المثال بعد انقلاب – يسيطر عليها بالقوة) يمنح نفسه الشرعية. أولئك الذين تعرضوا للغزو أو إملاءات السلطة ضد إرادتهم يتم تشويه سمعتهم كمجرمين أو إرهابيين. ولذلك لا يوجد الموضوعي، بل فقط “تبرير” سياسي قوي لهذا التمييز بين “الخير” و”الشر” أو “الشرعي” و”غير الشرعي”. وليس من قبيل الصدفة أنه لا يوجد تعريف ملزم قانونا لمصطلح “الإرهاب” على مستوى الأمم المتحدة. ولو تناولنا الأمر بموضوعية وفكر صادق – أي عقلانية -، لوجب علينا، دون استثناء، وصف كل عمل من أعمال العنف التعسفي ضد المدنيين أو المؤسسات المدنية لتحقيق هدف سياسي بأنه “إرهابي”؛ بغض النظر عما إذا كانت ارتكبت من طرف صديق أو عدو. غير أن أعمال المقاومة المسلحة ضد الأهداف العسكرية للمعتدي لا تندرج تحت هذا التعريف. وقد شرحت هذا الأمر بمزيد من التفصيل، بين أمور أخرى، في محاضرة ألقيتها أمام المحكمة العليا في الفلبين، حيث أصبحت المشكلة حادة بشكل خاص في ضوء الصراع المستمر منذ عقود من الزمن في مينداناو.

– منعت إسرائيل الإسرائليين الذين حتجزتهم حماس من التعبير على أرائهم بعد الإفراج عنهم، بل حتى من الفرحة العلنية بذلك، على أي شيء يعبر ذلك؟

– يتعلق الأمر هنا بالدعاية في الحرب، أي السيطرة على الرأي العام، لدعم الحرب أو إضفاء الشرعية عليها. وبما أن النساء اللائي أطلق سراحهن في البداية، عبرن عن رأيهن بشكل عفوي وبطريقة إيجابية، فلم يعد المرء يرغب في تحمل مثل هذه “المخاطرة”، ومن الواضح أنه قرر إبعاد/عزل النساء المفرج عنهن إلى حد كبير. الآن يتم نشر المعلومات التي تمت تصفيتها من قبل الحكومة فقط. وينطبق هنا القول المأثور: “الضحية الأولى للحرب هي الحقيقة”.

– نفس الشيء بالنسبة للمفرج عنهم من الفلسطينيين من سجون إسرائيل، حاولت إسرائيل قمع فرحتهم وفرحة ذويهم واستقبالهم بعد خروجهم من السجن، أية دلالات لهذا الأمر؟

– ينطبق نفس الشيء هنا، الصورة المعكوسة، كما في حالة المحررات الإسرائيليات. وتخشى سلطة الاحتلال من أن تؤدي التقارير عن المعاملة المهينة في الأسر إلى إضعاف الدعم للموقف الإسرائيلي في أوساط الرأي العام الدولي وتعزيز إرادة الفلسطينيين في المقاومة.

– تعامل حماس مع من احتجزتهم من الإسرائليين كان تعاملا راقيا، بشهادة هؤلاء المعتقلين أنفسهم، أكان هذا “استراتيجية حرب”، أم مبدأ إنساني حقيقي، مؤسس على احترام كرامة الناس؟

– لا أستطيع الإجابة على هذا السؤال لأنني لا أعرف تنظيم حماس وأساليبها. مثل أي شخص خارج غزة، لم أشاهد سوى لقطات تلفزيونية للإفراج عنهم في غزة، حيث كان التفاعل بين المفرج عنهم من الإسرائيليين ومقاتلي حماس وديًا للغاية. لا أستطيع إجراء أي تقييم آخر.

– أي مخرج سيكون لهذه الأزمة في نظركم: المزيد من القتل والقتل المضاد، اي استمرار سبيرال الحرب في التطور، أم نوع من الإنفراج وبداية عملية سياسية جديدة؟

– كما قلت في خطابي أمام الأمم المتحدة، فإنني أخشى أنه بعد هذا التصاعد في أعمال العنف، كما نشهده حاليا، فإنه من الصعب أن نتصور التعايش السلمي جنبا إلى جنب بين الطرفن، ناهيك عن العيش معا. يخلق المرء الكراهية بين الأجيال القادمة. إن بداية جديدة غير ممكنة على أساس حملة الإبادة، كما أن حل الدولتين يصبح غير واقعي، إذا لم يعد لدى الدولة الثانية أي أرض تقريباً ــ وخاصة الأراضي المتجاورة. إذا كان هناك حل على الإطلاق، فمن المحتمل أن يكون مجرد نوع من وقف إطلاق النار، تقدم فيه دولة ذات ثقل دولي ضمانات أمنية بوجودها العسكري بين أطراف النزاع. في عام 1956، أصبحت تهدئة الصراع في سيناء ممكنة من خلال ما يسمى “قوة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة United Nations Emergency Force “. وكان هذا ممكنا فقط لأن الرئيس أيزنهاور رفض دعم الإسرائيليين وحليفيها البريطانيين والفرنسيين، وسمح مجلس الأمن للجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ الإجراء الطارئ (“الاتحاد من أجل السلام وسمح مجلس الأمن للجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ الإجراء الطارئ (“الاتحاد من أجل السلام”). يبقى أن نرى ما إذا كان هذا أو شيء مشابه ممكنًا في التشكلة الحالية.

يمكنكم مشاركة المقال على منصتكم المفضلة