في الحوار التالي مع كمال الهشومي أستاذ التعليم العالي في العلوم السياسية والقانون الدستوري بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال – جامعة محمد الخامس الرباط ، يرى أن التحول في الخطاب الدولي بشأن الحركات الانفصالية عامة والبوليساريو خاصة ،دفع العديد من الأوساط الدولية إلى المطالبة بتصنيفها كمنظمة إرهابية .
كما يشير إلى أن تهديد البوليساريو للاستقرار عبر تحالفات عسكرية خارج القانون الدولي هو موضع مساءلة من قبل العالم مما يجعل مسألة تصنيفها منظمة إرهابية أمر محتمل.
ويعتبر في ذات الحوار بأن استغلال الجزائر للبوليساريو في صراعات خارجية حال الصراع السوري ، يمس بمصداقية موقفها الرسمي والذي يدّعي “الحياد” على طول في النزاع.
حوار : علي الانصاري
° برزت مؤخرا دعوات من دول وشخصيات عالمية تدعو إلى تصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية، لماذا الان؟
°°في البداية لا بد التأكيد أن هذه الدعوات تأتي في ظل التحول في الخطاب الدولي بشأن الحركات الانفصالية عامة والبوليساريو خاصة نحو المطالبة بتصنيفها كمنظمة إرهابية وهو ما يعكس بدوره تحولات جيواستراتيجية وأمنية عميقة في المنطقة، والتي يمكن تفسيرها –حسب اعتقادي- بعدة اعتبارات؛ في مقدمتها تغير موازين القوى في النزاع الإقليمي ببروز الدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، وتراجع الاعترافات بجمهورية الوهم، وهو ما دفع خصوم المغرب إلى تبني أنشطة عسكرية وهجومية أكثر راديكالية. ثم الجانب المتعلق بالسياق الأمني الدولي والذي يتميز بتصاعد التهديدات الإرهابية العابرة للحدود، أصبح معها المجتمع الدولي أكثر حساسية تجاه العلاقات المشبوهة بين الجماعات المسلحة غير الحكومية والتنظيمات الإرهابية، مما يعيد تقييم وضع البوليساريو في هذا الإطار. وأخيرا عودة مفاهيم السيادة والاستقرار الإقليمي في أجندة الدول الكبرى وبالتالي اعتبار أي كيان يهدد هذا الاستقرار عبر تحالفات عسكرية خارج القانون الدولي يصبح موضع مساءلة وتصنيف محتمل.
° كشفت تقارير إعلامية عن وثائق تؤكد مساهمة عناصر من الجبهة في الحرب السورية إلى جانب قوات نظام الأسد، ما مدى تأثير هذه المعطيات في إقناع دول العالم على مساندة مقترح تصنيف الجبهة حركة إرهابية ؟
لقد كشفت تقارير إعلامية استخباراتية عن تورط عناصر تابعة لجبهة البوليساريو في النزاع السوري، خصوصاً بجانب النظام السوري السابق وبدعم لوجستي من إيران. وبالتالي فنظرا لسقوط النظام السوري والرغبة في اظهار سوريا الجدية والرأي الدولي السلبي تجاه ايران كلها معطيات تؤثر على مسألة التصنيف من عدة زوايا. فالإدماج في شبكات عسكرية دولية موازية كمشاركة عناصر البوليساريو في ساحات قتال خارجية يخرجها من إطار “حركة تحرر” كما تدعي إلى إطار “المرتزقة” أو “الميليشيات العابرة للحدود”، وهو ما يقوض مشروعها السياسي المزعوم. من جهة أخرى التورط في النزاعات ذات البعد الطائفي والإيديولوجي، ويظهر ذلك من المشاركة في النزاع السوري والذي يربط الجبهة بشكل مباشر بمحور إيران/حزب الله، وهو محور خاضع لعقوبات وتوصيفات إرهابية في عدة دول. ثم أخيرا التأثير القانوني والدبلوماسي حيث تستعمل كل هذه المعطيات التي ذكرنا في الضغط على الدول المترددة في سحب الاعتراف بالجبهة أو إعادة تقييم موقفها منها، خاصة إذا اقترنت بأدلة موثقة تقدم أمام المنظمات الأممية.
° التقارير تثبت أن الدولة الراعية، الجزائر، استغلت الجبهة في حروب ودعم أنظمة مقابل الإبقاء على الاعتراف بها، لماذا لم يتم استغلال هذا الجانب إعلاميا على المستوى الوطني؟
°°استعمال الدولة الراعية الجزائر لجبهة البوليساريو كأداة في صراعات خارجية يمس بمصداقية الموقف الرسمي الجزائري الذي يدّعي “الحياد” على طول في النزاع وهو واضح وبين لدى الرأي العام الدولي، وهو ما أكدته العديد من القرارات والتقارير الأممية. وبالتالي فان استثمار هذا المعطى إعلامياً له أبعاد استراتيجية مهمة تتمثل أساسا في؛ تفكيك الخطاب المزدوج للجزائر والتي تدعي على الصعيد الدولي، الحياد، لكنها في الواقع تسلّح، تموّل، وتوجّه الجبهة. هذا التناقض يجب مواصلة كشفه أمام الرأي العام العالمي بل وترسيخه بالحقائق المتعددة والمتنوعة. ثم إحراج الجزائر أمام شركائها الدوليين من خلال إبراز استخدامها للجبهة في عمليات ذات طابع إرهابي أو في حروب بالوكالة، وهو ما يمكن أن ينتج عنه توجيه الاهتمام الدولي نحو المسؤولية غير المباشرة للدول الراعية. كما يساعد هذا التسويق الإعلامي الموضوعي على إعادة تشكيل السردية الوطنية والدولية، فالإعلام الوطني له دور في إعادة صياغة الخطاب حول البوليساريو من “قضية تقرير المصير” إلى “حركة مسلحة مدعومة من نظام غير ديمقراطي لخدمة أجندات توسعية” وهذا هو الواقع البين.
° تأكيد التقارير والوثائق على علاقة البوليساريو بحزب الله اللبناني وتدريب الاخير وعناصره وتزويده بالأسلحة، هل هذا كاف لاعتبار الجبهة منظمة إرهابية قانونيا؟
°°من الناحية القانونية، تصنيف منظمة كإرهابية يخضع لمجموعة من الشروط والمعايير، أبرزها:
– القيام بأعمال عنف ممنهجة ضد مدنيين أو أهداف مدنية لتحقيق أهداف سياسية.
– الارتباط بمنظمات مدرجة على لوائح الإرهاب (مثل حزب الله وإيران في بعض الدول).

– توفر أدلة دامغة وموثقة من جهات استخباراتية أو تقارير أممية أو دولية.
إذا تم إثبات العلاقة العملياتية والتمويلية المشتركة بين البوليساريو وحزب الله، خصوصاً عبر تهريب الأسلحة أو التدريب في معسكرات لبنان أو سوريا او حتى تندوف، فإن ذلك يُعتبر أرضية قانونية متينة للدفع نحو التصنيف الإرهابي، خاصة في الدول التي تصنف حزب الله كمنظمة إرهابية مثل الولايات المتحدة وكندا وألمانيا وبعض دول الخليج.
°في ذات الإطار، هل هناك ما يؤكد تورط البوليساريو في علاقات مع الجماعات الإرهابية في الساحل الافريقي،كداعش الساحل مثلا؟
°°نعم، هناك تقارير أمنية دولية صادرة عن مجموعة الساحل G5، ومراكز الدراسات مثل “African Center for Strategic Studies” و”Crisis Group”، أشارت إلى ما يلي:
- وجود روابط لوجستية وتجارية بين بعض وحدات البوليساريو والمهربين/الجماعات المسلحة في منطقة تندوف وشمال مالي.
- تقارير فرنسية وأمريكية أكدت أن بعض عناصر البوليساريو انخرطت في تهريب السلاح والمخدرات، وهي الأنشطة التي تمول شبكات الإرهاب في الساحل، ومنها “تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى (ISGS)”.
- الفراغ الأمني في منطقة تندوف سمح بتداخل في الأدوار بين مخيمات اللاجئين والتنظيمات المسلحة، ما جعل هذه المناطق ملاذاً لعدد من العناصر المتشددة.
إذن، العلاقة غير المباشرة أو اللوجستية بالتهريب وتمويل الإرهاب تمثل أساساً مقبولاً قانونياً وسياسياً لدفع الدول والمنظمات الدولية نحو إعادة تقييم وضع البوليساريو وتصنيفها ككيان غير شرعي وغير آمن.
وعليه فإن تراكم الأدلة حول علاقة البوليساريو بشبكات الإرهاب (الساحل، سوريا، حزب الله…) وبدعم دولة راعية (الجزائر) يدفع في اتجاه تغيير جوهري في التعامل الدولي معها. إن تصعيد هذا الخطاب وتوظيفه قانونياً وإعلامياً هو مسؤولية وطنية ودبلوماسية، ينبغي أن تشتغل عليه الدولة المغربية في مستوياتها الرسمية والمدنية والميدانية.
اجتماع لعناصر من جزب الله مع ممثلين من البوليساريو
°ما مدى تأثير هذا المعطيات على إيجاد حل نهائي لمشكلة الصحراء؟
°°إن المعطيات الأمنية والسياسية التي تكشف تورط جبهة البوليساريو في علاقات مشبوهة مع تنظيمات إرهابية، كحزب الله والجماعات المسلحة في الساحل، والمشاركة في النزاعات الخارجية كما هو الحال في سوريا، تشكل تحولاً نوعياً في مسار النزاع حول الصحراء المغربية، وتؤثر بشكل جوهري على مستقبل هذا الملف وسيناريوهاته. فهذه المعطيات تضع البوليساريو خارج منطق الحركات السياسية التي تناضل من أجل أهداف مدنية، وتقرّبها أكثر من صورة التنظيمات المسلحة التي تُوظَّف في نزاعات إقليمية كأداة لخدمة أجندات دول راعية، وفي مقدمتها الجزائر، مما يعيد طرح سؤال الشرعية السياسية والأخلاقية لهذا الكيان في المنتظم الدولي.
تأثير هذه المعطيات يظهر أولاً في إعادة تشكيل موقف عدد من الدول التي كانت إما مترددة أو مساندة للمشروع الانفصالي، إذ بدأت تراجع مواقفها، معتبرة أن أي كيان مسلح غير خاضع لسلطة الدولة ومتصِل بشبكات الإرهاب العابرة للحدود يشكل تهديداً مباشراً للأمن الإقليمي والدولي. هذا التحول يعزز موقف المغرب، الذي ما فتئ يقدم مبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي وعملي للنزاع، في مقابل تمسك الجبهة بأطروحات تجاوزها الزمن وزاد من خطورتها ارتباطها بمجموعات متطرفة تهدد الاستقرار في شمال وغرب إفريقيا.
كما أن هذه المعطيات تُحرج الجزائر التي ما تزال تدّعي الحياد في هذا الملف، في حين تؤكد التقارير الدولية والأدلة الميدانية أنها تستخدم البوليساريو كأداة جيوسياسية لتصفية حساباتها الإقليمية، ما يضعها أمام مسؤولية دولية متزايدة ويكشف زيف خطابها الدبلوماسي. في هذا السياق، تتحول مسؤولية تسوية النزاع من مجرد نزاع حول الأرض إلى مسؤولية جماعية تتعلق بمحاربة بؤر التوتر والإرهاب ومنع تشكل منطقة خارجة عن القانون على حدود المغرب، تكون ملاذاً للمرتزقة وتجار السلاح وعصابات التهريب.
وعليه، فإن تراكم هذه الأدلة والوقائع لا يعزز فقط مشروعية الموقف المغربي، بل يسرّع بإعادة بناء المقاربة الدولية لهذا الملف على قاعدة جديدة: الأمن والاستقرار أولاً، والحل السياسي الواقعي ثانياً. ومن هذا المنطلق، فإن هذه المعطيات تمثل فرصة استراتيجية للمغرب يجب استثمارها بكل الأدوات الممكنة، دبلوماسياً وإعلامياً وقانونياً، من أجل تسريع الوصول إلى حل نهائي عادل وواقعي، يقوم على الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وينهي نهائياً أوهام الانفصال وما يرتبط بها من تهديدات عابرة للحدود
- 1. تغير موازين القوى في النزاع الإقليمي لصالح المغرب جعل خصومه يلجأون إلى أنشطة راديكالية تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة.
- 2. التحول في الخطاب الدولي تجاه البوليساريو يعكس نهاية مرحلة “الرومانسية الثورية” وبداية زمن الواقعية الأمنية والسياسية
- 3. علاقة البوليساريو بمحور إيران–حزب الله ليست فقط تحالفاً سياسياً، بل تهديد جيوأمني يتعارض مع التوازنات الإقليمية والدولية.
- 4. الحل في الصحراء المغربية لن يمر فقط عبر مفاوضات سياسية، بل عبر تجفيف منابع الإرهاب والانفصال في الساحل وتندوف
- المعطيات الأمنية الجديدة تُملي على المجتمع الدولي ألا يظل متفرجاً على كيان يتحرك بين عباءة النضال وشبكات التهريب والإرهاب