دبلوماسية الأسمدة: الاستثمار المغربي للفوسفات في أفريقيا ورهاناته

يلقي  هذا  التقرير للدكتور نور الدين بيدُكان، باحث في الشؤون الدولية، جامعة محمد الخامس – الرباط. من مركز الامارات لسياسات ، الضوء على توسُّع صناعة الأسمدة في المغرب، وحجم استثمارات مجموعة OCP داخل القارة الأفريقية، وبُعدها الدبلوماسي.

نقاط أساسية

استطاعت “مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط” (OCP)، المملوكة للدولة المغربية، تحقيق عائدات قياسية من صادرات الأسمدة القائمة على الفوسفات، جراء ارتفاع أسعار الأسمدة في الأسواق الدولية بفعل انتعاش الطلب بعد جائحة كورونا، والعقوبات الأوروبية على روسيا، وفرض الصين قيوداً على تصدير الأسمدة لتلبية احتياجاتها المحلية.

عززت مجموعة OCP حضورها في أفريقيا خلال السنوات الأخيرة، بهدف مضاعفة حجم صادرات المجموعة من مشتقات الفوسفات إلى السوق الأفريقية، والاستفادة من الفرص المتاحة في ظل ارتفاع أسعار الأسمدة. ويُلاحَظ أن استثمارات المجموعة استهدفت الدول التي تحظى بالموارد الطاقية، خاصة الغاز الطبيعي، الذي يشكل مورداً أساسياً لإنتاج الأمونيا والأسمدة الأزوتية، إلى جانب توفُّر هذه الدول على موارد مائية مهمة، وأراضٍ واسعة صالحة للزراعة.

القوة المغربية الناعمة

عزز الحضور المتنامي للأسمدة في الأنشطة الدبلوماسية للرباط، رصيد القوة الناعمة المغربية على الصعيد الدولي، وبالتوازي، يحاول المغرب الاستفادة من دبلوماسية الأسمدة من أجل توسيع دائرة الدعم الصريح لمبادرته حول الحكم الذاتي لأقاليمه الجنوبية على المستوى القاري.

تطورت صناعة الفوسفات في المغرب على مدى السنوات الأخيرة، واستطاعت “مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط” (OCP)، المملوكة للدولة، أن تحقق عائدات قياسية من صادرات الأسمدة القائمة على الفوسفات، جراء ارتفاع أسعار الأسمدة في الأسواق الدولية منذ الأشهر الأخيرة من سنة 2021 حتى نهاية شهر ديسمبر سنة 2022، ويعود ذلك إلى انتعاش الطلب بعد جائحة كورونا، والعقوبات الأوروبية على روسيا، التي تعد أكبر مصدر للأسمدة في العالم، بالإضافة إلى فرض الصين قيوداً على تصدير الأسمدة بغية تلبية احتياجاتها المحلية.

OCP Africa

وبفعل استحواذها على 70% من احتياطيات الفوسفات العالمية، تعد مجموعة OCP، من بين كبار المنتجين للفوسفات ومشتقاته، حيث تبلغ حصتها في السوق العالمي للفوسفات حوالي 31%. ومع أن عمليات المجموعة توجد في خمس قارات، إلا أن توسعها كان ملحوظاً في أفريقيا، خاصة بعد تأسيس فرعها OCP Africa في عام 2016، لتعزيز القدرات الزراعية على نحو مستدام في جميع أنحاء القارة، ومواجهة تحديات الأمن الغذائي. ويتوافق هذا التوجه مع الرؤية الاستراتيجية للمغرب إزاء أفريقيا؛ فإلى جانب المكاسب الاقتصادية التي يحققها قطاع الفوسفات، تسعى الرباط لتقوية حضورها الدبلوماسي بوصفها فاعلاً محورياً في القارة الأفريقية.

تُلقي هذه الورقة الضوء على توسُّع صناعة الأسمدة في المغرب، وحجم استثمارات مجموعة OCP داخل القارة الأفريقية، وبُعدها الدبلوماسي.

نمو قطاع الفوسفات في المغرب

يُشكِّل قطاع الفوسفات أحد الدعائم الرئيسة للاقتصاد المغربي، إلى جانب قطاع السيارات وقطاعي السياحة والزراعة، وذلك بفضل مساهمته المهمة في خزينة الدولة. وتعززت الصناعة الفوسفاتية بعد أن تحولت عمليات مجموعة OCP من الاعتماد على تصدير المواد الخام، المتمثلة في الصخور الفوسفاتية، إلى التركيز على معالجة الفوسفات، وتحويله إلى أسمدة وحامض فوسفوري ومكملات غذائية للحيوانات، إذ ضاعفت المجموعة من قدراتها الإنتاجية، في ظل ارتفاع الطلب على الأسمدة واستخدامها لزيادة إنتاج المحاصيل الزراعية، مما جعل المغرب أحد أكبر مُنتجي ومُصدري الفوسفات ومشتقاته في العالم، وهو حالياً ثاني أكبر دولة مُنتجة للفوسفات بعد الصين، ورابع دولة مُصدِّرة للأسمدة بعد روسيا والصين وكندا.

“الجرف الأصفر”

وفي الوقت الحالي، يُعدّ المركب الصناعي “الجرف الأصفر”، قرب الدار البيضاء، أكبر منصة عالمية لإنتاج الأسمدة الفوسفاتية، حيث تصل طاقته الإنتاجية إلى أكثر من ثلاثة ملايين طن من الأسمدة، وحوالي مليوني طن من الحامض الفوسفوري في السنة، كما يُنتج موقع آخر بمدينة آسفي، جنوبي الدار البيضاء، الأسمدة والحامض الفوسفوري وحامض الكبريت.

واستفاد القطاع من ارتفاع الأسعار في السوق العالمية، ما أدى إلى تسجيل ارتفاعات متتالية منذ بداية سنة 2022 في أسعار الفوسفات الخام، وسماد ثنائي فوسفات الأمونيوم (DAP)، ووصول سعر الفوسفات الخام، في نهاية شهر فبراير 2023، إلى 322 دولاراً للطن، وهو أعلى بنسبة 86% من نفس الفترة من العام الماضي، والذي كان 172.5 دولار. فيما تجاوز سعر سماد ثنائي فوسفات الأمونيوم (DAP) 800 دولاراً للطن سنة 2022.

زيادة الطلب العالمي

ويرجع ارتفاع أسعار منتجات الفوسفات خلال الفترة الماضية إلى زيادة الطلب، لاسيما من الهند ودول أمريكا الجنوبية، وكذلك تأثير القيود المفروضة على صادرات روسيا والصين. وتعد الهند من أكبر المتضررين من القيود الصينية على صادرات الأسمدة، وهو ما دفع بنيودلهي للجوء إلى المغرب لسد احتياجاتها الفورية، بتوقيعها، في يناير 2023، اتفاقية مع مجموعة OCP، بموجبها تُزوَّد الهند بـ 1.7 مليون طن من الأسمدة القائمة على الفوسفات خلال العام الجاري.

وفي هذا السياق، يمكن القول إن صناعة الأسمدة في المغرب تدعمها عدة مقومات، أهمها:

توافر احتياطي مهم من المواد الأولية لصناعة الأسمدة، واستثماره لتوسيع عمليات مجموعة OCP مع شركائها الدوليين، خاصة في آسيا وأمريكا الجنوبية وأفريقيا.

الاستجابة لمتطلبات القطاع الزراعي في المغرب؛ فمنذ عام 2008، انتهجت الرباط “مخطط المغرب الأخضر”، الذي وضع الزراعة ضمن استراتيجية لدعم النمو الاقتصادي، وتحسين الأمن الغذائي على المستوى المحلي.

إنشاء مجموعة OCP لجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية (UM6P) سنة 2017، والتي تعد مركزاً للبحث التطبيقي في التكنولوجيا الفلاحية، والتكوين في مجال الصناعة المعدنية.

ولتعزيز فرص الاستثمار في الفوسفات، عملت الحكومة المغربية، في ديسمبر 2022، على توقيع مذكرة تفاهم مع مجموعة OCP، بشأن “البرنامج الاستثماري الأخضر الجديد” الممتد إلى غاية 2027، بتكلفة إجمالية تقدر بـ 13 مليار دولار، وذلك لرفع قدرات إنتاج الأسمدة، وتزويد منشآتها الصناعية بالطاقة الخضراء بحلول سنة 2027، مع الإلتزام بتحقيق الحياد الكربوني قبل سنة 2050، اعتماداً على إمكانات البلاد من الطاقة المتجددة. وتتماشى هذه الخطوة مع مذكرة تفاهم حول إرساء شراكة خضراء بين المغرب والاتحاد الأوروبي، الموقعة في أكتوبر 2022 بالرباط، ما يجعل المغرب أول بلد يعقد شراكة من هذا النوع مع بروكسل، ومن المتوقع أن يسمح البرنامج الاستثماري الأخضر بوضع حدٍّ لاعتماد مجموعة OCP على واردات مادة الأمونيا، التي تعتبر من بين كبار المستوردين لها على الصعيد العالمي، وذلك عبر الاستثمار في سلسلة الطاقات المتجددة لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، مما قد يمكنها من ولوج سوق الأسمدة الخضراء بقوة، وهو ما سيُعزز رغبة المغرب في التموقع مستقبلاً كمركز إقليمي لإنتاج الأسمدة الخضراء وتصديرها.

أنشطة مجموعة OCP في أفريقيا

منذ عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي في يناير 2017، جعلت الرباط من تعزيز التعاون مع الدول الإفريقية ضمن أولوياتها، ويعد الأمن الغذائي أحد المجالات التي يظهر فيها انخراط المغرب مع القارة، وذلك بتوقيعه عدة اتفاقيات مع 18 دولة أفريقية تتعلق بالمجال الفلاحي؛ فعلى رغم توفر أفريقيا على موارد مائية مهمة، وعلى حوالي 60% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، فإنها تستورد أكثر من 100 مليون طن من الأغذية بتكلفة 75 مليار دولار سنوياً. وبغية الاستفادة من مواردها الطبيعية والاستجابة لأزمة الغذاء، أبرم العديد من الدول الأفريقية، من بينها إثيوبيا ونيجيريا وغانا، اتفاقات مع مجموعة OCP لتشييد منشآت تصنيع الأسمدة.

حضور في 16 دولة أفريقية

من ناحيتها، عززت OCP Africa حضورها في 16 دولة أفريقية، بهدف مضاعفة حجم صادرات المجموعة من مشتقات الفوسفات إلى السوق الأفريقية، والاستفادة من الفرص المتاحة في ظل ارتفاع أسعار الأسمدة. فعلى رغم التراجع الحالي للأسعار مقارنة مع السنة الماضية، لكنها لا تزال عند مستويات مرتفعة، وكانت المجموعة قد اتخذت قراراً برفع الطاقة الإنتاجية من الأسمدة من 12 مليون طن في عام 2022 إلى 15 مليون طن سنة 2023، وسيسمح هذا للمغرب بزيادة حصته في السوق العالمي للأسمدة، ووضع نفسه لاعباً استراتيجياً في الساحة الدولية.

وبهدف تأمين حاجيات أفريقيا الملحة من هذه المادة الحيوية، والتخفيف من تأثير ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي، قدمت المجموعة ما يصل إلى 550 ألف طن من الأسمدة للدول الأفريقية في عام 2022، عن طريق هبات وعمليات بيع بأسعار منخفضة، كما أعلنت OCP تخصيص 4 مليون طن من الأسمدة للمزارعين الأفارقة في عام 2023. وفي الوقت الراهن، يمتلك فرع المجموعة بأفريقيا 12 شركة تابعة له، لتعزيز الشراكة مع المزارعين والموزعين المحليين للأسمدة، ومواكبة المشاريع المحدثة لإنتاج الأسمدة أو التي في طور الإنجاز. ففي نيجيريا، افتتحتOCP أول مصنع لها لمزج الأسمدة بالقارة، بولاية كادونا شمالي نيجيريا في أكتوبر 2022، ومن المرتقب أن تُضاف إليه وحدتان لإنتاج الأسمدة بولايتي أوغون وسوكوتو. وتندرج هذه الوحدة الصناعية في إطار شراكة بين مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط والحكومة النيجيرية، بهدف تطوير قطاع الزراعة في نيجيريا، وتمكينها “من توطين إنتاج الأسمدة من خلال تثمين الموارد الطبيعية المحلية النيجيرية، والاستفادة من توريد الفوسفاط المغربي”.

وفي إثيوبيا، وقَّعت مجموعة OCP والحكومة الإثيوبية، في سبتمبر 2021، على اتفاق يهدف إلى تنفيذ مشروع للأسمدة. ووفق ما تضمنه المرسوم المتعلق بالإذن لمجموعة OCP بالمساهمة في شركة مناصفة مع الحكومة الإثيوبية، الصادر في يوليو 2022، سيتم خلال المرحلة الأولى، تطوير مصنع للأسمدة بمنطقة “دير داوا” شرقي اثيوبيا، بإنتاج مليون طن من الأمونيا، ومليون طن من اليوريا، و1,5 ميلون طن من الأسمدة المركبة (NPK/NPS)، أما المرحلة الثانية فتستهدف مضاعفة الطاقة الإنتاجية بحوالي 50% لتبلغ حوالي 3,8 ميلون طن. ويتمثل الغرض الأساسي لهذا المشروع في تصنيع الأسمدة الفوسفاتية واليوريا واستيرادها، من خلال الاعتماد على الغاز الطبيعي الإثيوبي، وحمض الفوسفوريك المغربي، ومن المتوقع أن يُلبي المشروع، عند اكتماله، الطلب المتزايد في السوق الإثيوبية والإقليمية.

أما في تنزانيا، التي تعد الزراعة المحرك الرئيس للتنمية فيها، لا يزال الطلب على الأسمدة يُلبَّى باللجوء إلى الاستيراد، ومن أجل تقليص هذه التبعية، تتجه تنزانيا، في الوقت الراهن، نحو إقامة شراكة مع مجموعة OCP لإنشاء مصنع لمزج الأسمدة في منطقة “كيساراوي”، بالقرب من العاصمة دار السلام، والذي من المتوقع افتتاحه في العام الجاري، وتأكد ذلك بعد اجتماع رئيسة الدولة التنزانية، سامية صولوحو حسن، مع المدير العام للمجموعة المغربية، مصطفى التراب، على هامش قمة “دكار2” حول السيادة الغذائية في أفريقيا التي عُقِدَت في يناير الماضي بالسنغال.

علاوة على ذلك، لدى المجموعة المغربية مشاريع مماثلة قيد الإنشاء في رواندا وغانا والكوت ديفوار، كما تقوم OCP، عبر فروعها، بتزويد المزارعين الأفارقة بالأدوات اللازمة لتحسين إنتاجية المحاصيل، وإمداد الأسواق المحلية بأسمدة ملائمة لمختلف أنواع التربة والزراعات. وفي شأن متصل، أعلن الفرع الأفريقي للمجموعة، في مارس 2023، عن إبرام شراكة مع مكتب التحول الرقمي بأفريقيا التابع لشركة

“مايكروسوفت”، تستهدف دعم جهود التحول الرقمي في القطاع الفلاحي، وتمكين المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة من الولوج إلى الخدمات الزراعية الرقمية، في جميع أنحاء القارة بحلول سنة 2025.

وعلى الرغم من أن المغرب من كبار مُنتجي الأسمدة الفوسفاتية، إلا أن مكوناتها الرئيسة تأتي من الخارج، خاصة مادتي الأمونيا والكبريت، حيث تستورد الشركة المغربية حوالي 1.8 مليون طن من الأمونيا سنوياً، من عدة مُورِّدين، بما في ذلك روسيا وأوكرانيا. وبسبب الأزمة الأوكرانية تقلص الإمداد السنوي من الأمونيا لمجموعة OCP إلى النصف، وهو ما دفعها لتعويضه بزيادة حجم الواردات من دول أخرى كالولايات المتحدة وترينيداد وتوباغو. ومن المتوقع أن توفر استثمارات المجموعة في نيجيريا احتياجاتها من الأمونيا خلال السنوات المقبلة.

تزود أفريقيا بـ 70% من الأسمدة

ومع أن عمليات مجموعة OCP ترمي إلى زيادة التوسع على المستوى القاري، حيث تزود أفريقيا بـ 70% من الأسمدة، لكنها تواجه منافسة من كبار مُنتجي الأسمدة، خاصة في منطقة جنوب شرق أفريقيا، حيث افتتحت شركة التعدين السعودية “معادن” محطة أسمدة في مدينة “ليووندي” بجمهورية ملاوي في عام 2021، بقدرة إنتاجية تصل إلى 360 ألف طن سنوياً، ومن المتوقع أن تُسهِم هذه المنشأة في نمو صادرات “معادن” إلى جمهوريتي مالاوي وزامبيا والدول المجاورة.

من ناحيتها، أعلنت شركة “أورالكيم Uralchem” الروسية، الرائدة عالمياً في إنتاج الأسمدة والمنتجات الكيماوية، ​​في عام 2019، عن عزمها إنشاء مصنع أسمدة بقيمة 1.3 مليار دولار في أنغولا، بطاقة إنتاجية تبلغ 1.2 مليون طن في السنة، ومن المفترض أن يكتمل خلال هذا العام. ووسط النقص العالمي في الأسمدة، تبرعت الشركة الروسية، في مارس 2023، لصالح مالاوي بـ20 ألف طن من الأسمدة، ومن المقرر أن تتلقى كينيا شحنة أخرى من “أورالكيم” في الأشهر المقبلة، وذلك في إطار إعلان روسيا، عبر سفيرها في ملاوي وزيمبابوي، نيكولاي كراسيلنيكوف، منْح بلاده 260 ألف طن من الأسمدة لدول القارة. وبجانب ذلك، من المحتمل أن ترفع الصين القيود على صادراتها من الأسمدة، وهي خطوة من شأنها أن تدفع مجموعة OCP إلى تقييم مستوى التزامها بالتصدير نحو البلدان الأفريقية، لاسيما أنها تعهَّدت بتخصيص 4 ملايين طن من الأسمدة لأفريقيا سنة 2023.

تعزيز البُعد الاقتصادي للدبلوماسية المغربية

تُعطي الحكومة المغربية الأولوية للاستثمار في أفريقيا باعتباره جزءاً من استراتيجيتها لتوسيع علاقاتها التجارية في جميع أنحاء القارة. ويُصنَّف بنك التنمية الأفريقي المغرب ثاني أكبر مستثمر أفريقي في أفريقيا، بعد دولة جنوب أفريقيا، وأكبر مستثمر أفريقي في غرب أفريقيا. ووفقاً لمكتب الصرف المغربي، اُستُثمِرَ 808 مليون دولار، وهو ما يُقارب 43% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر الخارجي للمغرب، في القارة الأفريقية سنة 2021. فبالإضافة إلى الاستثمار في مشاريع إنتاج الأسمدة، وتطلُّع المغرب لتصدُّر قائمة الموردين الرئيسين للأسمدة في أفريقيا، ركَّزت استثمارات المملكة على القطاع البنكي والبنيات التحتية والنقل الجوي والاتصالات، مما وسع دائرة نفوذها الاقتصادي وعزز حضورها السياسي داخل القارة.

وفي سياق تفاقُم أزمة الغذاء وصعوبات التزود بالأسمدة في أنحاء مختلفة من العالم، تجلى حضور الأسمدة في الأنشطة الدبلوماسية للرباط، وكان من مظاهر ذلك، إشراف العاهل المغربي، في 15 فبراير 2023 بالغابون، على تسليم هبة تتكون من 2000 طن من الأسمدة.

مواجهة ندرة الأسمدة

كما سبق أن أكد وزير خارجية المغرب، ناصر بوريطة، في تقريره حول الميزانية الفرعية لوزارة الخارجية في نوفمبر 2022، أن المغرب أطلق برنامجاً لدعم المزارعين الأفارقة في مواجهة ندرة الأسمدة في السوق الدولي، بتخصيصه 180 ألف طن لفائدة 15 دولة، بالإضافة إلى 370 ألف طن أخرى بأسعار تفضيلية، لتتزايد أهمية توظيف الأسمدة في خدمة توجهات السياسة الخارجية المغربية. وتبرز قدرة تأثير هذه الورقة في مساهمتها بتعزيز قوة المغرب الناعمة في أفريقيا، إذ وضع “مؤشر القوة الناعمة العالمية لسنة 2023″، الصادر عن شركة Brand Finance البريطانية، المغرب في صدارة دول شمال أفريقيا والثالث على المستوى القاري.

ويتمثَّل الرهان الاقتصادي لمجموعة OCP في توسيع عملياتها داخل القارة الأفريقية، والبحث عن شركاء جدد لزيادة حجم المبيعات من الفوسفات ومشتقاته، بالإضافة إلى تطوير الانتفاع من الإمكانيات الطبيعية للجانبين، وهو ما يسمح لها بتوريد الأسمدة على نطاق واسع في دول جنوب الصحراء بأسعار ملائمة. ومن الملاحظ أن استثمارات المجموعة استهدفت الدول التي تحظى بالموارد الطاقية، خاصة الغاز الطبيعي، الذي يشكل مورداً أساسياً لإنتاج الأمونيا والأسمدة الأزوتية، إلى جانب توفُّر هذه الدول على موارد مائية مهمة، وأراضٍ واسعة صالحة للزراعة.

توسيع دائرة الدعم لمبادرته حول الحكم الذاتي

وبالتوازي مع ذلك، يحاول المغرب اختراق الدول التي تتخذ مواقف سياسية مناوئة له بخصوص قضية الصحراء، وتوسيع دائرة الدعم الصريح لمبادرته حول الحكم الذاتي لأقاليمه الجنوبية على المستوى القاري. فعلى رغم تأكيد المغرب أن قضية وحدته الترابية هي المعيار الذي يحكم علاقاته الخارجية مع الفاعلين الدوليين، فإن الممارسة الدبلوماسية للمملكة لا تتمسك بهذا المعيار في علاقاتها مع الدول الأفريقية، بل تحرص على تقوية التعاون الاقتصادي معها في أفق كسب تأييدها، أو إعلانها موقفاً حيادياً من قضية الصحراء، بحيث ركزت أهم مشاريع مجموعة OCP لإنتاج الأسمدة على البلدان التي لا تزال تعترف بجبهة البوليساريو، مثل نيجيريا وإثيوبيا وتنزانيا وأنغولا. في الوقت نفسه، من المتوقع أن يسعى المغرب إلى حشد دعم الدول الأفريقية من أجل تعديل القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، تمهيداً لإنهاء عضوية البوليساريو من المنظمة أو تعليق مشاركتها في أنشطة الاتحاد.

استنتاجات

باعتمادها “البرنامج الاستثماري الأخضر الجديد”، من المرتقب، أن تقود مجموعة OCP جهود الحكومة المغربية المتعلقة بتسريع وتيرة الانتقال الطاقوي، والتحول إلى اقتصادٍ خالٍ من الكربون بحلول عام 2050. كما يتوقع أن تعمل مجموعة الفوسفات المغربية على توسيع وجودها في أفريقيا ببناء مصانع جديدة لإنتاج الأسمدة، بهدف تدعيم موقعها كمورد رئيس لبلدان القارة، والرفع من عائداتها. فإلى جانب كون المجموعة مصدراً مهماً لإيرادات الدولة، فإن خططها التوسعية في أفريقيا تتوافق مع توجهات السياسة الخارجية المغربية، حيث أضحت أداةً دبلوماسيةً تسمح للرباط بتعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية، في أفق كسب دعمها السياسي، لاسيما بخصوص قضية الصحراء.

 

 

 

يمكنكم مشاركة المقال على منصتكم المفضلة