اختراق وتسريب المعطيات …من يتحمل المسؤولية السياسية والإدارية والأخلاقية؟

لا يمكن القبول بسياسة الهروب إلى الأمام واللجوء إلى لعبة تصدير الأزمة التي انتهجتها الحكومة والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ردا على اختراق الموقع الإلكتروني لهذا الأخير وتسريب بيانات حساسة لآلاف الشركات والمقاولات ومعطيات شخصية لمليونين من المواطنات والمواطنين.

لم يكن المغاربة ينتظرون من الحكومة أن تُعَلِّق ما وقع من اختراق وتسريبات على مشجب “الجهات المعادية”، أو على “التشويش على نجاحات بلادنا”، كما ورد على لسان الناطق الرسمي باسم الحكومة.

اعتماد هذا الخطاب في مثل هذه الواقعة الخطيرة ليس مجديا، ولا يمكن الاحتماء به للتهرب من تحمل المسؤولية. بل إن هذا الخطاب يدين أصحابه قبل غيرهم، ما داموا يعلمون بوجود هذه “الجهات المعادية” و”محاولات التشويش”، ولا يملون من رفعها في وجه كل من ينتقد سياساتهم، ومع ذلك، فشلوا في منعها من الوصول إلى معطيات شخصية وحساسة بالنسبة للأمن الاقتصادي والمالي والاجتماعي للبلاد.

كان يجب على الحكومة أن تعترف أولا بالفشل في حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي. وبعد ذلك، يمكن أن تُذَكِّر من هو في حاجة إلى تذكير بوجود أعداء يناصبوننا العداء في كل وقت وحين.

وكان يجب على الصندوق المعني بالتسريبات أن يعترف بالفشل في حماية معطيات شخصية استأمنه عليها مليونان من المواطنات والمواطنين، وفي حماية معطيات حساسة لآلاف الشركات والمقاولات، لا أن يلجأ إلى الخلط والغموض والوعيد والتهديد.

تحدث الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في بيانه الذي أعقب عملية التسريبات عن “طابعها المضلل في كثير من الأحيان، وغير الدقيق أو المبتور”!! والحقيقة أن بيانه هو الذي تنطبق عليه هذه الأوصاف وغيرها؛ فهو بيان مضلل وغير دقيق ومتناقض ومرتبك.

أما الناطق الرسمي باسم الحكومة، فلم يجد ما ينطق به، بعد صمته لأيام على عملية القرصنة وتسريب معطيات مئات الآلاف من المغاربة والشركات، إلا أن يحيط المغاربة علما بأن “ما جرى هو فعل إجرامي”، كما لو أن هناك من كان يعتبره عملا خيريا!! ولم يجد، بعد الأسف، إلا أن يطمئنهم بأن “العديد من الدول والمؤسسات أصبحت عرضة له”، كما لو أنه يحتمي بعبارة “إذا عمت هانت”!!

ما وقع يتطلب من بين ما يتطلبه:

1. إعلان الجهات المؤتمَنة على المعطيات المسربة عن تحمل المسؤولية السياسية والإدارية والأخلاقية، التي تبدأ بالاعتذار الفوري وتنتهي بالاستقالة أو الإقالة.

2. احترام الرأي العام الوطني في التواصل معه باعتماد لغة الوضوح والشفافية، لا لغة الغموض والخلط.

3. إجراء تحقيق شفاف وحقيقي، وليس، كما جاء في بيان CNSS، “تحقيقا إداريا داخليا”، إذ لا يُعقل أن تُجري هذا التحقيق الجهةُ التي يجب أن تكون هي نفسها موضوع التحقيق، بالنظر إلى أنها الجهة المؤتمنة على المعطيات المسربة. تحقيق يجيب عن جميع الأسئلة التي يمكن أن تطرحها مثل هذه الوقائع: هل كانت المؤسسة المعنية بالتسريبات تعتمد جميع الإجراءات والتدابير اللازمة لحماية المعطيات الشخصية؟ ما الثغرة أو الثغرات التي سمحت بالوصول إلى هذه المعطيات؟ من يتحمل المسؤولية، بشكل مباشر أو غير مباشر، في حدوث هذا الاختراق؟… إلخ.

4. ترتيب المسؤوليات وإعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وعدم الإفلات من العقاب السياسي والإداري والقانوني.

5. اتخاذ الإجراءات والتدابير الكفيلة بمواجهة التهديدات الرقمية وحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي وإرجاع الثقة في الخدمات التي تقدم على المنصات الرقمية.

وفي جميع الأحوال، وبالإضافة إلى المخاطر الكبرى، الاقتصادية والمالية والاجتماعية، التي ترتبت وستترتب عن هذه التسريبات، فإن الوثائق المسربة والمعلومات التي تتضمنها تكشف الصورة البشعة لـ”العدالة الاجتماعية” عندنا في زمن شائعة “الدولة الاجتماعية” وإشاعة “الدعم الاجتماعي” الذي شغل فقراء هذا البلد بملهاة ارتفاع المؤشر وانخفاضه أكثر مما انتشلهم من الفقر الذي ينهش ما تبقى من حياتهم.

يمكنكم مشاركة المقال على منصتكم المفضلة