الجزائر…وجنوبها الذي يُنسى عمداً

من يراقب حال الجزائر عن قرب، لا يحتاج إلى كثير من التحليل لفهم أن البلاد تعيش انقسامًا صامتًا وخطيرًا بين شمال تُوجّه إليه كل السياسات والموارد، وجنوب تُرك لقدر الفقر المذقع والإهمال. انقسام لا تفرضه الجغرافيا، بل تصنعه الدولة بصمتها الطويل وقراراتها العمياء.

 

فبينما النظام يقوم ببعض الاستثمارات المرقعة في المناطق الشمالية وتُقدّم على أنها “تنموية”، دون أن تُغيّر شيئًا من الواقع الاجتماعي والاقتصادي المتردي، تُترك مدن الجنوب، من تمنراست إلى تندوف، ومن إليزي إلى برج باجي مختار، رهينة الحرمان والتهميش. سنوات تمر، والحال هو الحال: لا خدمات، لا فرص عمل، لا أفق، ولا اهتمام.

 

المؤلم في الأمر أن الجنوب ليس مجرد هامش بعيد، بل هو قلب الجزائر النابض بالثروات. في تربته تنام ثروة الغاز والنفط والفوسفاط، ومنه تُموّل الميزانيات، ويسدّ العجز. ومع ذلك، يعيش سكانه في أوضاع لا تليق بدولة تمتلك ما تمتلكه الجزائر من إمكانات. طرق مهترئة، مستشفيات بالكاد تُسعف، ومؤسسات تعليمية تُشبه مراكز الإيواء.

 

هذا الجنوب لا يطلب امتيازات، بل يطالب فقط بالحد الأدنى من الإنصاف. أليس من العبث أن تُصدر حقول الغاز في عين صالح ملايين الأمتار المكعبة يوميًا، وسكان المنطقة يعيشون على قنينات غاز نادرة لا تصلهم إلا بشق الأنفس؟

 

الأسوأ من ذلك أن النخبة السياسية الفاسدة في البلاد لا تُحسن سوى التفرج. لم نسمع عن خطة وطنية تُعيد الاعتبار للجنوب، لم نرَ مسؤولًا يُقيم في المنطقة طويلًا ليستمع إلى السكان ويعيش واقعهم. حتى الإعلام المحلي يعد أكبر شريك في التعتيم، يُسلّط الضوء على توافه الأمور في العاصمة وفي بعض الولايات، ويتجاهل احتجاجات البطالين في ورقلة أو معاناة سكان جانت من العطش.

 

إذا أرادت الجزائر أن تُنقذ نفسها من الانفجار الاجتماعي الصامت، فعليها أن تنظر إلى الجنوب ليس كأرض بعيدة تحتاج إلى صدقات، فإعادة توزيع الثروة، والعدالة المجالية، والاعتراف السياسي والثقافي، لم تعد شعارات تُقال في المناسبات، بل ضرورة وطنية لا تحتمل مزيدًا من التأجيل.

 

 

حينم يُصبح الظلم سياسة ممنهجة، فإن الصمت لن يبقى إلى الأبد.

يمكنكم مشاركة المقال على منصتكم المفضلة