في خطوة وُصفت بأنها “تجميل بالقوة لسياسة التمييز”، شرعت السلطات التونسية في إخلاء مخيمات تضم آلاف المهاجرين غير النظاميين بمحافظة صفاقس، في عملية تُدار بلباس “السلمية” بينما تخفي وراءها واقعًا مأساويًا من العنف والتهميش واللامسؤولية السياسية.
فقد أعلن حسام الدين الجبابلي، المتحدث باسم الحرس الوطني التابع لوزارة الداخلية، عن بدء عملية تفكيك المخيمات في منطقتي العامرة وجبنيانة، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة تشمل نحو 4 آلاف مهاجر من دول إفريقيا جنوب الصحراء. ورغم الإصرار الرسمي على وصف الإخلاء بـ”السلمي” و”المنظم”، فإن الصور الميدانية والشهادات المروعة القادمة من صفاقس تُكذّب هذا الخطاب المهدّئ، وتكشف واقعًا متفجّرًا من الاحتقان العنصري والاعتداءات التي وصلت حد التهديد بالقتل.
اللافت أن هذه الخطوة تأتي بعد ضغوط غير مسبوقة من قوى سياسية ونواب برلمان، استخدموا خطابًا يتقاطع بشكل خطير مع نظريات المؤامرة، بادعائهم وجود “مخطط دولي لإحداث تغيير ديمغرافي” في تونس. وفي ظل هذا التحريض العلني، بات المهاجر الإفريقي في الشارع التونسي هدفًا مباحًا للعنف والسحل والشيطنة.
وعوض أن يلعب الرئيس التونسي قيس سعيد دور الضامن لحقوق الإنسان، اختار الاصطفاف مع خطاب الكراهية، داعيًا إلى تسريع عمليات الترحيل، متناسياً أن كثيرًا من هؤلاء الفارين من الحروب والمجاعات والأزمات الاقتصادية والاجتماعية هم ضحايا، لا مجرمين.
أما الوجه الآخر من القصة، فهو الصمت الرسمي عن الوجهة التي يُرحّل إليها المهاجرون بعد تفكيك مخيماتهم، لا تفاصيل، فقط وعود فضفاضة بـ”الإيواء المؤقت”، فيما تهمس مصادر إعلامية عن مراكز احتجاز موزعة على مناطق داخلية نائية، في سيناريو يعيد إلى الأذهان أشكال التهجير القسري الذي ترفضه كل المواثيق الدولية.
إن سياسة قيس سعيد تجاه ملف الهجرة لا يمكن قراءتها إلا باعتبارها رضوخًا كاملاً للإملاءات الجزائرية، وتخلٍ فاضح عن القيم الإنسانية. فمتى يتحوّل رئيس الجمهورية من خادم مطيع إلى حامٍ حقيقي لحقوق الإنسان على التراب التونسي؟