أعرب السفير الجزائري لدى واشنطن، صبري بوقادوم، عن رغبة بلاده في تعزيز التعاون العسكري مع الولايات المتحدة، خصوصًا بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. هذا الإعلان، الذي جاء في تصريحات لصحيفة “ديفانس سكوب” الأمريكية، يطرح تساؤلات جوهرية حول حقيقة استقلالية القرار الجزائري، في ظل محاولات مستميتة لكسب ود الإدارة الأمريكية الجديدة ولو كلفها ذلك وضع ثروات الجزائر الباطنية رهن إشارة ترامب .
لطالما عُرفت الجزائر بعلاقاتها القوية مع موسكو، التي تعود إلى حقبة الاتحاد السوفياتي، حيث شكلت روسيا المزود الرئيسي لها بالسلاح والداعم الأساسي لمواقفها الدبلوماسية. لكن يبدو أن المتغيرات الدولية، لا سيما تعاظم النفوذ الروسي في الساحل الإفريقي، دفعت الجزائر إلى إعادة تموضعها على الخريطة الجيوسياسية.
تصريحات بوقادوم تكشف عن توجه جزائري فاقد للبوصلة، حيث أشار إلى مذكرة التفاهم العسكرية التي وُقعت مع واشنطن بعد تنصيب ترامب، واصفًا إياها بأنها “باب مفتوح للفرص المستقبلية”. والأكثر إثارة للدهشة هو قوله: “السماء هي الحد”، في إشارة إلى عدم وجود أي قيود على مستوى التعاون العسكري مع أمريكا. لكن، هل يعكس هذا تحولًا استراتيجيًا مدروسًا، أم هو مجرد تحرك لتفادي غضب ترامب وإدارته؟
السياسة الخارجية الجزائرية طالما رفعت شعار “عدم الانحياز”، لكنها في الواقع لم تكن يومًا مستقلة عن المحاور الدولية. اليوم، نجدها تتودد إلى واشنطن بشكل علنية، بعد عقود من الاصطفاف خلف روسيا والصين.
ما يثير الاستغراب أن الجزائر، التي انتقدت في مناسبات عديدة ما تسميه “التدخلات الأمريكية في المنطقة”، أصبحت اليوم تسعى لكسب ثقة واشنطن، لا سيما بعد زيارة قائد “أفريكوم”، مايكل لانغلي، إلى الجزائر، حيث استُقبل بحفاوة من قبل الرئيس عبد المجيد تبون ورئيس الأركان السعيد شنقريحة.
إضافة إلى ذلك، وقّعت الجزائر اتفاقية استثمارية مع شركة “شيفرون” الأمريكية لتقييم مواردها النفطية في المناطق البحرية، وهو ما يؤكد سعيها إلى جذب الاستثمارات الأمريكية بأي ثمن، رغم شعارات السيادة الاقتصادية التي طالما تبنتها.
كما اصبح واضحا أن الجزائر لا تسعى فقط إلى تعزيز تعاونها مع أمريكا، بل تحاول أيضًا تجنب أي موقف عدائي من إدارة ترامب، خاصة أن وزير خارجيته، ماركو روبيو، سبق أن دعا إلى فرض عقوبات على الجزائر بسبب علاقاتها الوثيقة مع روسيا.
إلى جانب ذلك، يبدو أنها تسعى إلى التخفيف من صورة “التبعية لروسيا”، بعدما أصبحت موسكو مصدر إزعاج لها بسبب تدخلاتها في الساحل الإفريقي، وهو ما أثر على الأمن القومي الجزائري.
التحركات الجزائرية الأخيرة تضعها أمام مفارقة تاريخية: فهي تهاجم القوى الغربية في خطاباتها الرسمية، لكنها في الكواليس تبحث عن رضاها. وإذا كانت الجزائر قد استبدلت شريكًا استراتيجيًا بآخر، فذلك لا يبرر سياسة خارجية مستقلة، بل يكشف عن اضطراب وتذبذب في مواقفها.
فهل ستنجح الجزائر في إقناع واشنطن بمزايا التقارب معها؟ أم أنها ستجد نفسها في موقف أصعب، بين مطرقة العقوبات الأمريكية وسندان الضغوط الروسية؟