في خطوة تكشف حجم الانتهاكات المتواصلة للحريات في تونس، أطلقت أكثر من 50 منظمة حقوقية حملة دولية للمطالبة بالإفراج الفوري عن المساجين السياسيين، والصحافيين، والمدونين المعتقلين في سجون قيس سعيد، وذلك تزامناً مع انعقاد الدورة 58 لمجلس حقوق الإنسان بمقر الأمم المتحدة في جنيف.
وتأتي هذه الحملة لتسلط الضوء على التدهور الخطير في وضعية حقوق الإنسان في تونس منذ انقلاب يوليوز 2021، حيث يسعى سعيد، عبر سياسة قمعية مكشوفة، إلى إخراس كل صوت معارض لسلطة الأمر الواقع التي فرضها بالقوة، محوّلاً تونس من نموذج ديمقراطي واعد إلى ساحة مظلمة للاستبداد والشعبوية.
البيان المشترك للمنظمات الحقوقية وصف ما يجري في تونس بـ”المجازر القضائية”، مستنكراً استهداف عشرات المعارضين من الصف الأول، في محاكمات تفتقر لأدنى شروط العدالة. حيث قد تحولت السلطة القضائية إلى أداة في يد سعيد لتصفية خصومه السياسيين وإرهاب الصحافيين والمدونين الذين تجرأوا على فضح ممارساته.
المنظمات شددت على ضرورة إحاطة الرأي العام الدولي بهذه الانتهاكات، والعمل على وقف التدهور الخطير في الحريات السياسية والأنشطة المدنية، داعية إلى التعريف بالأوضاع المأساوية للمعتقلين السياسيين، والضغوطات التي تتعرض لها عائلاتهم.
فمنذ انقلابه على المؤسسات الدستورية، يتجه قيس سعيد بتونس نحو هاوية الحكم الفردي، مستندا إلى خطاب شعبوي يخفي وراءه نظاماً قمعياً لا يختلف عن أسوأ النظم الاستبدادية في المنطقة. استهداف المعارضين وسجن الصحافيين أصبح سمة بارزة لحكم سعيد، الذي يسعى إلى فرض صمت مطبق على المشهد السياسي والإعلامي في البلاد.
الحملة الدولية التي أطلقتها المنظمات الحقوقية لا تقتصر فقط على المطالبة بالإفراج عن المعتقلين، بل تسعى كذلك إلى فضح الوجه الحقيقي لنظام سعيد أمام المجتمع الدولي. وتشمل الحملة نشر مواد رقمية وفيديوهات ومعلقات على نطاق واسع، إلى جانب تفعيل الحضور الإعلامي عبر منصات التواصل الاجتماعي والقنوات العالمية لفضح ممارسات النظام القمعي.
وتأتي هذه الحملة الحقوقية بعد أيام قليلة من دعوة صريحة وجهتها مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى السلطات التونسية، طالبت فيها بوقف كافة أشكال اضطهاد المعارضين واحترام حرية الرأي والتعبير، مع الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين تعسفاً.
لكن، وكعادته، يتجاهل قيس سعيد هذه التحذيرات، ممعناً في سياسة القمع والترهيب، في محاولة يائسة لفرض واقع ديكتاتوري جديد في تونس.
تونس اليوم أمام مفترق طرق خطير، فإما أن تنجح الضغوط الدولية في إعادة البلاد إلى مسارها الديمقراطي، أو أن يستمر سعيد في فرض حكمه الاستبدادي، مما ينذر بتفكك مؤسسات الدولة واندلاع أزمات اجتماعية وسياسية عميقة.