حصري: كيف خسر المغرب معركة نائب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي؟

في قاعة نيلسون مانديلا للمؤتمرات الكبرى بالاتحاد الأفريقي، حيث تعلن نتائج الانتخابات الأكثر إثارة للجدل، أعلن رئيس الجلسة عن فوز الدبلوماسية الجزائرية سلمى مليكة حدادي بمنصب نائب رئيس المفوضية بـ33 صوتا، بينما حصلت المغربية لطيفة أخرباش على 17 صوتا فقط، بعد ست جولات من التصويت، وهي لحظة كانت أشبه بزلزال سياسي هز أروقة الدبلوماسية المغربية، التي راهنت على استراتيجيتها “التنموية” في أفريقيا على الرغم من أهميتها، لكنها اصطدمت بجدار من الأصوات التي فضلت الوجه المألوف: سلمى حدادي، المرأة التي عاشت بين الأفارقة وعرفوها عن قرب، فما هي الأسباب الخفية على المغاربة وعقلياتهم والتي أدت إلى تفوق سلمى مليكة حدادي على لطيفة أخرباش رغم الجهود المغربية الكبيرة في إفريقيا؟

“المرشح الذي يعيش بيننا” .. سر صناعة الولاءات في أفريقيا

كشفت نتائج التصويت أن العامل الشخصي لعب دورا محوريا في توجيه الأصوات، فـسلمى حدادي، التي قضت أكثر من عقدين في أديس أبابا، وشغلت مناصب دبلوماسية رفيعة في كينيا وجنوب السودان ورئيسة الشؤون الأفريقية بوزارة الخارجية الجزائرية، كانت تتردد على العواصم الأفريقية كـالضيف الدائم، بينما ظلت أخرباش، رغم سجلها المهني المتميز في المغرب وأوروبا، غائبةً عن المشهد الأفريقي المباشر.

دبلوماسي في أديس أبابا شرح ذلك قائلا “الأفارقة يصوتون لمن يعرفونهم، لا لمن يقرؤون عنهم في التقارير فحسب، حدادي كانت تجلس معهم في المطاعم، تشاركهم أفراحهم وأتراحهم، أما أخرباش فكأنها جاءت من عالم آخر، بعيدة عن نبض القارة وحيويتها”.

إن نجاح الدبلوماسية في أفريقيا يعتمد بشكل كبير على القدرة على الاندماج في نسيج الحياة اليومية للأفارقة، فالدبلوماسية ليست مجرد اجتماعات رسمية وتبادل للبيانات الصحفية، بل هي مشاركة في الأفراح والأتراح، والجلوس مع الناس في المطاعم، وفهم نبض الشارع الأفريقي وتطلعاته، وهذا ما كانت طيلة سنوات تفعله حدادي، التي نجحت في كسب ثقة الأفارقة من خلال تواضعها وقربها منهم، بينما فشلت أخرباش في تحقيق التأثير نفسه بسبب ابتعادها أو بعدها عن الحياة العامة في أفريقيا.

الاتهامات المتبادلة: “رشاوى سخية” مقابل “حقائب دبلوماسية”

في ظل تصاعد التوترات بين المغرب والجزائر، تحولت المنافسة التقليدية بين البلدين إلى حرب إعلامية ودبلوماسية مكشوفة، حيث تبادلت وسائل الإعلام في كلا البلدين الاتهامات بشأن محاولات التأثير على الأصوات، واندلعت حرب إعلامية بين الرباط والجزائر، حيث اتهمت وسائل إعلام جزائرية المغرب بمحاولة شراء الأصوات عبر “رشاوى سخية”، بينما ردت وسائل مغربية باتهام الجزائر باستخدام “الحقائب الدبلوماسية” المليئة بالوعود المالية لدعم مرشحتها، لكن المصادر المسربة من داخل أروقة الاتحاد تكشف أن الجزائر اعتمدت على استراتيجية ما يسمى “بالتغلغل الناعم”، حيث قامت بإرسال وفود وزارية إلى 10 دول أفريقية في شهر واحد فقط، بما في ذلك جمهورية إفريقيا الوسطى والكاميرون، هذه الوفود لم تكن تحمل فقط وعودا دبلوماسية، بل قدمت أيضا مساعدات إنسانية ودعما في ملفات حساسة مثل قضايا اللاجئين والوحدة الأفريقية والقضايا الإنسانية، وهذا ما قامت بتوظيفه السفيرة الجزائرية التي تعتبر وسط الأفارقة خبيرة في هذه الملفات، ما جعلها تبدو كـ”الوجه الإنساني” للقارة.

في المقابل، اعتمد المغرب على تحالفات تقليدية مع دول مثل جيبوتي و دول الساحل، ومع ذلك، واجه المغرب عقبات إدارية غير متوقعة، حيث منعت 6 دول من حلفائه الاستراتيجيين من التصويت لأسباب إدارية، وهو ما قلب الموازين لصالح الجزائر، هذه العقبات أظهرت محدودية الاعتماد على التحالفات التقليدية في ظل وجود قواعد إدارية قد تعيق التحرك الدبلوماسي، إلا أنه لا يزال المغرب يعمل على تعزيز علاقاته مع دول أفريقية أخرى، مستخدماً أدوات اقتصادية وسياسية لتعويض خسائر هذه المعركة.

عميد شمال أفريقيا يعرقل أخرباش للترشح

مصادر دبلوماسية كشفت أن العميد الدبلوماسي لشمال أفريقيا في الاتحاد الأفريقي الذي هو ممثل البوليساريو التي تعترف بها وتحتضنها الجزائر وجنوب أفريقيا، لعب دورًا خفيًا في تعقيد ترشيح أخرباش، حيث رفض تقديم ترشيحها رسميا إلا بعد مفاوضات مرهقة، مما قلل من فرصها في كسب التعاطف، ووفقًا للمصادر، رفض ما يسمى بالعميد الدبلوماسي لشمال أفريقيا تقديم ترشيح أخرباش رسميا إلا بعد مفاوضات طويلة وشاقة، استنزفت الوقت والجهد، مما قلل من فرصها في كسب الدعم اللازم لتعزيز ترشحها على هذا المنصب، وأوضحت المصادر أن هذه الخطوة كانت مدروسة، حيث سعى ممثل الجمهورية الوهمية، المدعوم من الجزائر، إلى إضعاف الموقف المغربي داخل الاتحاد الأفريقي، في إطار الصراع الطويل حول قضية الصحراء المغربية.

ورغم أن المغرب نجح في تعيين فتح الله السجلماسي مديرًا عامًا للمفوضية (المنصب الثالث)، وضمن فوز حليفه الجيبوتي علي محمود يوسف برئاسة المفوضية، إلا أن غياب خطة طوارئ لتعويض أصوات الحلفاء المعلقين مثل مالي والنيجر والغابون وبوركينافاسو كشف هشاشة التحالفات القائمة على المصالح المادية أكثر من القناعات السياسية.

هل حان وقت تحول الدبلوماسية المغربية؟

الهزيمة كشفت أن الدبلوماسية الأفريقية لم تعد لعبة تحالفات مؤقتة، بل هي معركة حضور يومي وبناء ثقة متبادلة، لأن التحديات الحالية تشير إلى أن الدبلوماسية الأفريقية أصبحت أكثر تعقيدا من أي وقت مضى، فإذا أراد المغرب أن يعزز مكانته في القارة، فعليه أن يعيد النظر في استراتيجياته التقليدية ويتبنى نهجًا جديدا يعتمد على “دبلوماسية القرب”، فهذا النهج ليس فقط وسيلة لتحقيق المصالح الوطنية، ولكنه أيضًا فرصة لتعزيز التعاون بين الدول الأفريقية وبناء مستقبل مشترك مليء بالفرص والعلاقات الإنسانية المستدامة التي هي أولوية بأعلى درجة لدى الأفارقة، فهل ستغير الرباط استراتيجيتها أم ستستمر في الاعتماد على حلفاء قد يغيبون عن التصويت في أي لحظة؟

يمكنكم مشاركة المقال على منصتكم المفضلة