تراجع المغرب في مؤشر الفساد: غياب الإرادة السياسية يُعمّق الأزمة

يواصل المغرب تسجيل تراجع في مكافحة الفساد، وفق تقرير جديد لمنظمة ترانسبرانسي المغرب، التي كشفت عن انخفاض درجة المملكة إلى 37 نقطة في مؤشر إدراك الرشوة لعام 2024، ما أدى إلى فقدان مركزين إضافيين في التصنيف العالمي ليستقر عند المرتبة 99 من أصل 180 دولة.

 

هذا التراجع الجديد يؤكد استمرار اتجاه سلبي بدأ منذ 2012، حيث كان المغرب يحتل المرتبة 88، فيما سجل أفضل تصنيف له عام 2018 عندما بلغ المرتبة 73. ومع ذلك، لم يلبث أن انحدر مجددًا، حيث فقد 5 درجات و26 مركزًا في غضون خمس سنوات، ما يعكس فشل سياسات مكافحة الفساد وغياب إجراءات فعالة للحد من الظاهرة.

 

وقد انتقدت منظمة “ترانسبرانسي” بشدة استمرار تدهور وضع الرشوة في المغرب، مؤكدة أن السبب الرئيسي وراء هذا التراجع يكمن في غياب الإرادة السياسية الحقيقية للإصلاح. فبينما تحقق الدول الديمقراطية الكاملة 73 نقطة في المتوسط، لا تتجاوز الدول التي تقمع الحريات 31 نقطة. وهذا يؤكد العلاقة الوثيقة بين غياب الشفافية وتقييد الحريات العامة، بما في ذلك حرية الصحافة والمجتمع المدني.

 

ورغم الشعارات الرسمية حول مكافحة الفساد، لا تزال الإصلاحات الهيكلية معطلة، وسط استمرار الإفلات من العقاب، والتضييق على دور المجتمع المدني والصحافة في كشف ملفات الفساد. هذا الوضع يعزز ثقافة الريع والمحسوبية، حيث يُستخدم النفوذ السياسي والاقتصادي للحفاظ على مصالح فئة محددة على حساب التنمية الشاملة.

 

وأشارت “ترانسبرانسي” إلى نفاق بعض الدول التي تتصدر مؤشرات مكافحة الفساد، إذ رغم حصولها على درجات عالية، تظل متورطة في دعم الفساد المالي عالميًا، من خلال توفير ملاذات ضريبية آمنة لتهريب الأموال غير المشروعة، فضلًا عن تسهيل عمليات غسيل الأموال عبر مراكز مالية كبرى. هذه المفارقة تؤكد الثغرات الهيكلية في النظام المالي الدولي، حيث يُعاقب الفاسدون الصغار، بينما تستفيد القوى الكبرى من التدفقات المالية غير المشروعة.

 

على المستوى الدولي، تصدّرت الدنمارك المؤشر للعام السابع على التوالي بـ90 نقطة، تليها فنلندا بـ88 نقطة وسنغافورة بـ84 نقطة. في المقابل، تذيّلت القائمة دول تعاني من النزاعات، مثل جنوب السودان (8 نقاط)، الصومال (9 نقاط)، سوريا (12 نقطة)، لبنان (13 نقطة)، واليمن (13 نقطة).

 

إذا كان المغرب يريد كسر دوامة التراجع في التصنيفات الدولية، فعليه اتخاذ إجراءات حقيقية وليست شكلية، تبدأ بضمان الشفافية، ورفع القيود عن الصحافة والمجتمع المدني، إلى جانب محاسبة الفاسدين بدلًا من حمايتهم.

 

أما استمرار سياسة التجاهل والمراوغة، فلن يؤدي إلا إلى تفشي الفساد بشكل أعمق، مما يعوق التنمية، ويفقد المواطنين الثقة، ويعزز الهجرة الجماعية للكفاءات، ليبقى السؤال: هل يملك المغرب الجرأة لكسر هذه الحلقة المفرغة؟

يمكنكم مشاركة المقال على منصتكم المفضلة