مرة أخرى، يطل عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بخطاب مكرر يعيد فيه تدوير نفس العبارات التي ظل يرددها لسنوات، محاولًا إقناع المغاربة بأن مشاكلهم الأسرية والاجتماعية يمكن حلها عبر الشعارات، وليس من خلال إصلاحات واقعية تتماشى مع متطلبات العصر. خلال مهرجان خطابي ببنسليمان. حيث دعا بنكيران إلى “التمسك القوي بالشريعة” ورفض تعديلات مدونة الأسرة، وكأنه يقدم وصفة جاهزة لحل كل معضلات المجتمع، متناسياً أن الواقع يتطلب أكثر من مجرد خطب رنانة.
بنكيران لا يزال يصر على التفريق بين “العدل” و”المساواة”، معتبرًا أن الأولى هي الحل الأمثل للعلاقات الأسرية، لكنه يتجاهل أن هذا التمييز لم يكن يومًا سوى غطاء لاستمرار أوضاع غير منصفة. فالمرأة في المجتمع تحتاج إلى حقوق واضحة ومضمونة بالقانون، لا إلى تفسيرات فضفاضة تفتح الباب أمام التأويلات التي تكرس عدم التكافؤ. الحديث عن العدل بمعزل عن المساواة ليس سوى محاولة للالتفاف على المطالب الحقيقية بإصلاح القوانين وضمان حقوق متساوية لكل أفراد الأسرة.
أما فيما يتعلق بالطلاق، فقد اختار أسلوب الترهيب، محذرًا من “تسهيل إجراءات الطلاق”، وكأنه يرى في استمرار الزواج بأي ثمن هدفًا بحد ذاته، حتى لو كان ذلك على حساب كرامة الطرفين. في مجتمع يشهد ارتفاعًا في حالات الطلاق بسبب مشاكل حقيقية مثل العنف أو الاستغلال أو عدم التفاهم، فإن الحل لا يكون بوضع عراقيل قانونية أمام الراغبين في الانفصال، بل بتوفير منظومة قانونية عادلة تحمي حقوق الجميع وتضمن عدم تحول الزواج إلى قيد دائم لا فكاك منه.
اما انتقاده لفكرة تثمين العمل المنزلي للمرأة يؤكد رؤية متجاوزة لا تعترف بقيمة الجهد الذي تبذله النساء في رعاية الأسرة. فبدلًا من الاعتراف بهذا العمل ومنحه ما يستحقه من تقدير قانوني، يصر على تصوير الزواج وكأنه علاقة خيرية تقوم على “المكارمة”، متجاهلًا أن العديد من النساء يجدن أنفسهن في وضع هش بعد سنوات من العطاء داخل البيت دون أي ضمانات تحفظ حقوقهن.
لم يكن بنكيران ليفوت الفرصة دون استحضار “نظرية المؤامرة”، حيث تحدث عن “مخطط عالمي لتقليل خصوبة المسلمين ومحاربة قيمهم”، وكأن مشاكل الزواج والطلاق وتأخر سن الزواج في المغرب سببها مؤامرات خارجية، وليس الظروف الاقتصادية، والبطالة، وغياب سياسات اجتماعية جادة تدعم الأسر والشباب المقبلين على الزواج. تحميل “جهات مجهولة” مسؤولية هذه الأزمات ليس سوى تهرب من مواجهة الحقائق، ومحاولة لصرف الأنظار عن القضايا الحقيقية التي تحتاج إلى حلول واقعية.
نرى هنا أن خطابه ليس سوى نسخة مكررة من خطاباته السابقة، بنفس المفردات والأسلوب، دون أي إدراك بأن الزمن تغير وأن المغاربة يبحثون عن إجابات عملية لمشاكلهم، لا عن خطب ومواعظ لم تعد تقنع أحدًا. التحديات التي تواجه الأسرة اليوم تتطلب مقاربات واقعية وقوانين متجددة، لا الاكتفاء بإعادة إنتاج نفس الشعارات، وكأنها قادرة على حل معضلات مجتمعية معقدة بمجرد تكرارها.