الغاز الجزائري لتونس.. مساعدة أم استعراض إعلامي؟

لا زالت تونس تشهد تتخبط في أزمة التزود بأسطوانات الغاز المنزلي، وسط موجة برد قاسية تضاعف من معاناة المواطنين. ومع استمرار الطوابير الطويلة والنداءات المتكررة للبحث عن الغاز، تتجه الأنظار نحو الجزائر، التي تعدّ المزود الرئيسي للغاز المسال إلى الجارة الشرقية.

 

ورغم استيراد تونس لأكثر من 22 ألف طن من الغاز المنزلي الجزائري منذ بداية يناير، إلا أن الأزمة لم تُحلّ، وظلت الأسواق تعاني نقصًا حادًا في أسطوانات الغاز. لكن بدلًا من التركيز على أسباب الأزمة الداخلية في تونس أو البحث عن حلول مستدامة، انشغلت وسائل الإعلام الجزائرية المدعومة من النظام بالترويج لفكرة “الصدقة الجارية” التي تقدّمها الجزائر لتوانسة، وكأن الأمر ليس اتفاقًا اقتصاديًا طبيعيًا بين بلدين شقيقين، بل منّة تُلقى من طرف واحد إلى آخر.

 

الصحافة الجزائرية، التي لطالما اعتادت على تصدير خطاب شعبوي، وجدت في أزمة الغاز التونسية فرصة لخلق صورة زائفة عن الجزائر كـ”منقذ”، مقابل تصوير التونسيين كمحتاجين لا حول لهم ولا قوة. هذه الرسائل الإعلامية لا تخدم إلا سياسة التفرقة بين الشعبين، في وقت يحتاج فيه كلاهما إلى وعي أكبر بالمصالح المشتركة.

 

المفارقة الكبرى تكمن في أن المواطن الجزائري نفسه يعاني من مشكلات لا تقل حدة، بدءًا من غلاء الأسعار، مرورًا بشح بعض المواد الأساسية، وصولًا إلى انقطاعات الغاز في بعض المناطق الداخلية خلال موجات البرد. ومع ذلك، يجد هذا المواطن نفسه أمام مشهد غريب: بلاده تسارع إلى تزويد دول أخرى بالطاقة، بينما يعاني هو في الداخل.

 

على الشعب التونسي أن يدرك أن ما يُروَّج له في الإعلام الجزائري ليس سوى بروباغندا موجهة، تهدف إلى تصدير صورة “الوصيّ”، بينما المطلوب هو علاقات قائمة على الندية والمصالح المشتركة. في المقابل، على الجزائريين أن يسألوا أنفسهم: لماذا تُستخدم ثرواتهم الطبيعية كأداة لاستعراض القوة في الخارج، بينما الداخل يعيش أزمات صامتة؟

 

إن مستقبل العلاقات بين الشعبين التونسي والجزائري يجب أن يُبنى على التكامل لا الاستعلاء، وعلى الاحترام المتبادل لا المنّ والاستغلال الإعلامي.

يمكنكم مشاركة المقال على منصتكم المفضلة