شهد الأسبوع الماضي انعقاد ندوة حوارية مهمة في المركز الليبي للدراسات الإستراتيجية والأمن الوطني حيث شارك فيها عدد كبير من المهتمين بقضايا الشباب والرياضة إلى جانب مختصين في علم الاجتماع وعلم النفس . هدفت الندوة إلى دراسة ظاهرة التعصب الرياضي التي باتت تشكل خطرًا كبيرًا يؤثر على الأنشطة الرياضية والاقتصادية والاجتماعية في ليبيا وهو ما دفع الخبراء إلى التأكيد على ضرورة معالجتها بشكل عاجل .
• الرياضة أداة للبناء والتواصل
الرياضة ليست مجرد نشاط بدني أو وسيلة للترفيه بل هي ركيزة أساسية تسهم في بناء المجتمعات وتعزيز القيم الإيجابية . فهي تساهم في تقوية الروابط الاجتماعية بين الأفراد والجماعات وتعد وسيلة فعالة لتحقيق التنمية البشرية والاجتماعية كما أن لها دورًا ثقافيًا وحضاريًا يعكس القيم الإيجابية ويعزز روح التعايش بين مختلف أطياف المجتمع مما يجعلها أحد أهم عوامل التقدم والازدهار .
لكن على الرغم من أهمية الرياضة فإنها قد تكون سلاحًا ذو حدين فالمنافسة الرياضية التي تهدف إلى تحسين الأداء وتنمية روح الفريق قد تتحول إلى تعصب رياضي يؤدي إلى شغب الملاعب ويؤثر سلبًا على القيم المجتمعية والأنشطة الرياضية .
• أبعاد التعصب الرياضي وتأثيراته
خلال الندوة تحدث الدكتور محمد قزة مدير إدارة الدراسات والبحوث الإستراتيجية باستفاضة عن ظاهرة التعصب الرياضي . وأشار إلى أن هذه الظاهرة تتسبب في أضرار متعددة من بينها :
1. الأضرار النفسية والاجتماعية: يؤدي التعصب إلى تقسيم المجتمع إلى فئات متناحرة مما يعزز مشاعر الكراهية والانقسام بين الجماهير.
2. الأضرار المادية: تخريب المنشآت الرياضية خلال أعمال الشغب يؤدي إلى خسائر مالية كبيرة تتحملها الأندية والجهات المسؤولة.
3. العقوبات الرياضية: فرض الاتحاد الإفريقي لكرة القدم عقوبات على المنتخب الليبي بسبب أعمال الشغب كان آخرها اللعب دون جمهور في مباراتين . مثل هذه العقوبات تؤثر بشكل مباشر على الأداء الفني للمنتخب والفرق الليبية وتضعف الحضور الجماهيري الذي يمثل دعمًا نفسيًا للرياضيين .
•أسباب الظاهرة وسبل مواجهتها
أوضح المشاركون في الندوة أن أسباب التعصب الرياضي متعددة منها ضعف التوعية الرياضية والدور السلبي لبعض وسائل الإعلام التي تثير النزاعات بين الجماهير وغياب الرقابة الفعالة داخل الملاعب .
وأكدوا جميعا على ضرورة معالجة هذه الظاهرة من خلال تعزيز التوعية النفسية والاجتماعية بين فئات الشباب حيث يمكن للعلماء والمتخصصين تقديم برامج تعليمية تسلط الضوء على القيم الإيجابية للرياضة .
تفعيل القوانين الرادعة ضد المخربين ومثيري الشغب في الملاعب.
الارتقاء بدور الإعلام الرياضي ليصبح وسيلة للتوعية بدلًا من التحريض وتشجيع المنافسة الشريفة بين الجماهير .
• دور الإعلام والمجتمع
شارك عدد من الإعلاميين والصحفيين الرياضيين في الندوة حيث أكدوا أن الإعلام له دور حيوي في معالجة التعصب الرياضي. ودعوا إلى إنتاج برامج توعوية تسلط الضوء على القيم النبيلة للرياضة بالإضافة إلى ضرورة تسليط الضوء على تجارب الدول التي نجحت في الحد من ظاهرة التعصب الرياضي.
• توصيات الندوة
خرجت الندوة بعدد من التوصيات المهمة التي يمكن أن تساهم في الحد من ظاهرة التعصب الرياضي:
1. تكثيف الندوات والحوارات التوعوية خاصة بين فئات الشباب لتسليط الضوء على مخاطر التعصب.
2. إجراء بحوث علمية معمقة لدراسة الظاهرة وتحديد أسبابها وطرق معالجتها.
3. تعزيز دور المؤسسات التعليمية في نشر ثقافة التسامح وقبول الآخر من خلال الرياضة.
4. فرض عقوبات صارمة على المتسببين في أحداث الشغب داخل الملاعب.
5. تطوير البنية التحتية الرياضية لضمان بيئة آمنة للمشجعين.
6. تعزيز الشراكة بين الجهات الحكومية والخاصة لإطلاق حملات توعية تسلط الضوء على خطورة الظاهرة.
نحو رياضة خالية من التعصب
في الختام تظل الرياضة وسيلة فعالة لتعزيز الوحدة والتواصل بين أفراد المجتمع لكن ضمان استمرار هذا الدور الإيجابي يتطلب مواجهة ظاهرة التعصب الرياضي بكل حزم .
إن الجماهير الرياضية ليست مجرد مشجعين بل هم شركاء في بناء صورة مشرفة للرياضة الوطنية. لذلك يأتي دور الأندية الإعلام والمؤسسات الحكومية لتعزيز ثقافة التسامح والاحترام داخل الملاعب وخارجها.
فلنعمل معًا من أجل رياضة خالية من التعصب رياضة تجمع ولا تفرق رياضة تعكس أجمل قيم الإنسانية .
بقلم علي البدوي