يفتح كتاب “حلية العالم: كيف صنع المسلمون واليهود والمسيحيون ثقافة التسامح في إسبانيا القرون الوسطى” صفحة مشرقة من تاريخ التعايش الديني والثقافي بين المسلمين واليهود والمسيحيين في الأندلس الذي عمّر أكثر من سبعة قرون في جو من التسامح الأخوي، لم تشهد البشرية له مثيلا على الإطلاق. كل ذلك ساعد على ازدهار الأدب والعلوم والفنون، وعلى الحفاظ على الرياضيات، والقانون، والفلسفة اليونانية القديمة التي كانت عرضة للضياع لولا حرص العرب على ترجمتها إلى العربية ونقلها بعد ذلك إلى اللاتينية. إن هذا المختبر الحضاري الذي انصهرت فيه ثلاث ديانات رئيسة خلال القرون الوسطى هو الذي صنع الثقافة الغربية وأعاد لها هويتها المفقودة، ليدحض بذلك كل المزاعم المغرضة والمقصودة التي تنعت هذه الحقبة الذهبية من تاريخ البشرية بعصر الظلمات. إننا مدينون لمؤلفة هذا الكتاب الساحر الأستاذة “ماريا روزا مينوكال” التي امتلكت الجرأة على إماطة اللثام عن حقائق تاريخية طمست معالمها عمدا، لولا وجود النزهاء الغربيين ممن غاصوا في مظان كتب التراث والمخطوطات النادرة التي يصعب الوصول إليها، وتقديم مادتها الدسمة للقراء المحبين للعلم والمعرفة.