في عام 1940، كان محمد بن عبد السلام طفلًا صغيرًا عندما دخل الميتم البيضاوي في الدار البيضاء. هناك، بدأ شغفه بالموسيقى يبرز عندما انضم إلى جوق موسيقي أسسه معلم الأجيال، الأستاذ أحمد زنيبر. هذا الجوق ضمّ عددًا من العازفين الذين أصبحوا أسماء لامعة في تاريخ الموسيقى المغربية، مثل عمرو الطنطاوي وصالح الشرقي. وكان من خلال هذه الفرقة أن تعلّم محمد بن عبد السلام العزف على العديد من الآلات الموسيقية، وعلى رأسها العود والكمان.
التكوين الموسيقي والبداية المهنية (1952)
بعد فترة من التكوين، عاد محمد بن عبد السلام إلى مسقط رأسه في سلا، حيث أسس جوق “الاتحاد السلاوي” عام 1952. قدم الجوق حفلاته في مختلف المدن المغربية في ظل الحماية الفرنسية، مما كان له تأثير كبير على مسيرته المهنية. في نفس العام، لحن أولى أغانيه التي حملت عنوان “يا لخاطف عقلي“، من كلمات الشاعر محمد حسن الجندي. كما سجل أول معزوفة له، “بوادر“، التي كانت بداية تاريخه في مجال التلحين.
بعد نجاحه في مسقط رأسه، انتقل بن عبد السلام إلى الرباط في عام 1952 حيث انضم إلى جوق دار الإذاعة، الذي كان يضم نخبة من الفنانين. عمل في هذا الجوق حتى عام 1954، وكان له دور بارز في تطوير الموسيقى المغربية الحديثة. في هذه الفترة، تعاون مع كبار الأسماء مثل أحمد الشجعي، والمعطي البيضاوي، وعبد الرحيم السقاط. ورغم الخلافات الإدارية التي عصفت بالجوق، استمر بن عبد السلام في تقديم أعماله المتميزة.
رئاسة جوق “المتنوعة” (1959)
في عام 1959، قرر بن عبد السلام أن يأخذ خطوة جديدة في مسيرته الفنية بعد الخلافات التي شهدها جوق دار الإذاعة. أسس جوق “المتنوعة”، الذي شغل منصب رئيسه تحت إشراف إدارة الإذاعة. لكن هذا الوضع أحدث نوعًا من التوتر بين الجوقين، ليتولى بن عبد السلام قيادة الجوق بمثابرة، مما عزز مكانته في الساحة الموسيقية.
لم تقتصر مسيرة بن عبد السلام على قيادة الفرق الموسيقية فقط، بل ساهم بشكل كبير في تلحين العديد من الأغاني التي أصبحت من أرقى الأعمال في تاريخ الأغنية المغربية. لحن للعديد من الفنانين البارزين مثل إسماعيل أحمد ونعيمة سميح ومحمد الإدريسي. وكان له أيضًا بصمة مميزة في تلحين الأغاني القومية والوطنية، مما جعل له مكانة خاصة في قلوب الشعب المغربي.
محمد بن عبد السلام: فنّان صريح وعصامي
لم يكن محمد بن عبد السلام مجرد ملحن أو قائد جوق، بل كان أيضًا شخصية صريحة لا تخشى قول الحق. كانت له مواقف مشهورة في صناعة الموسيقى، مثل نصيحته للفنان أحمد البيضاوي بأن يترك تلحين الأغاني الشعبية ويركز على القصائد، حيث قال له: “خلي الشعبي لمواليه، واهتم بتلحين القصائد فقط“. هذه الصراحة جعلته يحظى باحترام كبير من زملائه الفنانين.
إرثه الفني وبصمته التي لا تُنسى
على مدار أكثر من نصف قرن من العطاء، استطاع محمد بن عبد السلام أن يترك بصمة لا تمحى في تاريخ الأغنية المغربية. لم يقتصر دوره على كونه ملحنًا، بل كان أحد أكبر رموز الأغنية الزجلية المغربية. من خلال أعماله، أضفى على الموسيقى المغربية طابعًا أصيلًا وأثرًا يستمر لليوم.
اليوم، بوفاته، يودّع الفن المغربي أحد أعظم أعمدته، الذي سيظل ذكره حيًا في الأذهان من خلال أغانيه وإبداعاته التي شكلت جزءًا من التراث الثقافي المغربي الأصيل.
شاهد