نظام صحي على الحافة: هل من شريان يعيد النبض؟

 

لايزال الوضع الصحي يسيل كثيرًا من المداد في مشهدٍ يوحي بأن النظام الصحي بات يسير على حافة الهاوية، تتجلى أزمة المعدات الطبية، وعلى رأسها الأسرة الاستشفائية، كعقدة يصعب فكّها. الأرقام تتحدث لغة القلق؛ خصاص يصل إلى 45 ألف سرير، كما صرّح البروفيسور رضوان السملالي، تاركًا خلفه صورة مؤلمة للمستشفيات العمومية، التي يكاد سقفها ينهار تحت ثقل الاحتياجات المتزايدة.

هذا النقص الحاد يعكسه الواقع اليومي، حيث المرضى يطوفون بين الممرات المكتظة، والآمال تتبدد في زوايا الغرف الممتلئة عن آخرها. كبار السن، الذين يشكلون الشريحة الأكثر تضررًا، يقبعون في قائمة الانتظار الطويلة، فيما يسجل المغرب ما يصل إلى 900 حالة إصابة بالأمراض المزمنة لكل 100 ألف نسمة في هذه الفئة العمرية، مما يزيد الضغط على نظام صحي بالكاد يقوى على الصمود.

 

من جهة أخرى، يشبه القطاع الخاص قاربًا صغيرًا يحاول الإبحار في بحر هائج؛ فهو بالكاد يتكفل بمواطن واحد من أصل اثنين، بينما تغلق عشر مصحات خاصة أبوابها سنويًا، وكأنها تُسدل الستار على جزء من الحل الممكن. غلاء التكلفة، الذي يجبر المرضى على دفع نصف مصاريف علاجهم من جيوبهم، يعمّق جراح الصحة العامة، ويجعل الوقاية ترفًا لا يمكن لمعظم المواطنين تحمله.

 

الشيخوخة تضيف عبئًا آخر على هذا المشهد المتأزم، حيث الأمراض المرتبطة بتقدم العمر، مثل السرطانات، لا تتوقف عن حصد المزيد من الضحايا. تسجيل 130 حالة جديدة لكل 100 ألف نسمة بين الشباب يبدو رقمًا مقلقًا، لكن هذا الرقم يتضاعف بشكل مخيف ليصل إلى 900 حالة بين كبار السن، مما يضع المستشفيات أمام معادلة مستحيلة الحل.

 

فقد كشف وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، أن حوالي 10 في المئة فقط من العاملين في المستشفيات يتحملون عبء تقديم الخدمات العلاجية لحوالي 6 ملايين شخص يتوافدون سنويًا على أقسام المستعجلات، التي تستقبل أحيانًا ما يصل إلى 700 حالة يوميًا. هذا الضغط الهائل يتزامن مع نقص حاد في الأطر الطبية، حيث يقدر العجز بحوالي 595 طبيبًا عامًا و7842 إطارًا من هيئة التمريض وتقنيي الصحة، وفقًا للمعايير الوطنية للخريطة الصحية.

 

وفي محاولة لتخفيف هذا العبء، يتم تدارس إمكانية تقليص مدة التكوين في تخصص الطب الاستعجالي من 5 إلى 3 سنوات، إلا أن هذا الإجراء يظل خطوة غير كافية أمام تحديات تزايد الطلب وضعف البنية التحتية والتجهيزات المستعملة. وسط هذا المشهد القاتم، تبدو الحلول الترقيعية غير كافية.

 

تقارير ودراسات تؤكد أن سد هذا العجز يحتاج إلى استثمارات جريئة وإصلاح عميق يعيد التوازن للقطاع. الخطوات المقترحة، مثل تقليص مدة تكوين أطباء الطب الاستعجالي، تُعد حلولًا مؤقتة، لكنها غير قادرة على معالجة جذور المشكلة. لا يمكن إنقاذ النظام الصحي إلا من خلال رؤية استراتيجية شاملة تعيد بناء الثقة وتمنح المرضى حقهم في العلاج بأمل وكرامة.

 

إقرأ أيضا…

يمكنكم مشاركة المقال على منصتكم المفضلة