الأدوية في المغرب: حرب مفتوحة بين صحة المواطنين وأرباح الشركات العملاقة

ارتفاع أسعار الأدوية في المغرب: الاحتكار وتداعياته على صحة المواطنين

 

تواجه الحكومة المغربية تحدياً كبيراً في التعامل مع الارتفاع المهول لأسعار الأدوية، الذي وصل إلى حد أن الأسعار في المغرب أصبحت تتراوح بين 3 إلى 5 مرات أعلى من نظيراتها في العديد من دول العالم. هذا الارتفاع يعود إلى هيمنة شركات الأدوية متعددة الجنسيات التي تحقق أرباحاً خيالية على حساب صحة المرضى، في وقت تشكو فيه السلطات المغربية من عجزها أمام هذه الشركات.

لوبي شركات الأدوية: حامٍ للربح على حساب صحة المواطنين

في ظل هذا الواقع، تطرح تساؤلات جوهرية عن دور الحكومة المغربية في تنظيم سوق الأدوية، وحمايتها للمواطنين من هذا الاستغلال المفرط. فما الذي يجعل لوبي صناعة الأدوية في المغرب يحظى بكل هذا النفوذ؟ ولماذا تقف السلطات الحكومية عاجزة أمامه رغم التزايد المستمر للأسعار؟

 

أظهرت عدة تقارير رسمية من جهات مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي أن السوق المغربية مليئة بالاختلالات. ففي تقرير للمجلس الأعلى للحسابات، تم رصد وجود حوالي 25% من الأدوية في وضع احتكاري. كما كشفت دراسة أجراها الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (الكنوبس) أن أسعار الأدوية في المغرب أغلى من تلك في بلجيكا وفرنسا بنسب كبيرة.

تشير تقارير الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة إلى أن العديد من الأدوية في المغرب تباع بأسعار مبالغ فيها، مثل أدوية السكري والربو وضغط الدم، والتي قد تكون أغلى بثلاثة إلى أربعة أضعاف من نفس الأدوية في دول أخرى ، مثالا هناك أدوية تستورد منذ عشر سنوات بسعر 10 دراهم، ويتم بيعها في المغرب ب70 أو 80 درهما . في بعض الحالات، يزداد الفارق ليصل إلى 1000% لبعض الأدوية. وتشير هذه التقارير أيضاً إلى وجود ضعف في الشفافية، وهو ما يعزز من احتكار الشركات الكبرى للسوق.

 

ورغم محاولات الحكومة فرض قيود على أسعار الأدوية، لا يزال السوق يواجه تحديات جمة في ظل التسهيلات الكبيرة التي تمنحها السلطات لـ شركات الأدوية المستوردة. وترى فاعلون في القطاع مثل الدكتورة لحلو الفيلالي أن المغرب قادر على إنتاج نصف الأدوية التي يتم استيرادها، وهو ما يستدعي ضرورة تطوير السياسات المحلية وتعزيز الصناعات الوطنية. وفي نفس السياق كشفت الدكتورة لحلو الفيلالي  نائبة رئيس لفدرالية المغربية للصناعة الصيدلانية والابتكار ورائدة الدفاع عن السيادة الصحية والدوائية بأن  بالمغرب قادر على انتاج ما لا يقل عن 50 %  التي تظهر في المراكز العشر الأولى، من حيث الحجم وقيمة الأدوية المستوردة

ارتفاع أسعار الأدوية يهدد توازن النظام الصحي في المغرب ويضع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في موقف حرج. تشير التقارير إلى أن الأدوية تمثل حوالي 40% من تكلفة النظام الصحي في المغرب، في وقت لا تتجاوز هذه النسبة في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) 18%. الأمر الذي يدفع الأسر المغربية لتحمل نحو 56% من هذه النفقات من جيوبها الخاصة، ما يعمق الفجوة في التغطية الصحية ويهدد قدرة النظام على الاستمرار.

 مراجعة القوانين وتحسين الشفافية

من أجل مكافحة هذه الأزمة، تدعو الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة إلى مراجعة جذرية للقوانين المتعلقة بتحديد أسعار الأدوية، مثل المرسوم رقم 2.13.852، الذي تم تمريره في عهد حكومة بنكيران، والذي كان يصب في مصلحة لوبي شركات الأدوية. كما تطالب بفرض رسوم جمركية على الأدوية المستوردة وتطوير الصناعة الوطنية لتقليص الاعتماد على الأدوية الأجنبية.

من الواضح أن هناك فجوة كبيرة بين السياسات الرسمية وواقع السوق الدوائي في المغرب. ويمثل هذا التحدي تهديدا مباشراً لحقوق المواطنين في الحصول على أدوية بأسعار معقولة وفي وقت مناسب. ولا بد من تدخل عاجل من الحكومة ومؤسساتها المعنية لمكافحة الاحتكار وضمان الشفافية، بما يضمن تحقيق الأمن الدوائي والحد من الأعباء المالية على الأسر المغربية.

يمكنكم مشاركة المقال على منصتكم المفضلة