بينما تعلق البعض الآمال على أن يحمل دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي المنتخب، تغيرًا ملموسًا في السياسة الخارجية، فإن التعيينات الأخيرة التي أعلن عنها تشير إلى أن هذه الآمال قد تصطدم بتوجهات واضحة تعزز النفوذ الصهيوني، مما يضع العرب والمسلمين أمام تحديات جديدة.
يؤكد خبراء عرب أن الأسماء التي كشف عنها ترامب ضمن فريقه الحكومي المقبل تحمل في طياتها دلالات مقلقة، فهي تجمع بين تأييد مطلق لإسرائيل ودعم سياسات متطرفة تجاه القضايا العربية. وقد أثارت هذه التعيينات خيبة أمل لدى العديد من الناخبين العرب والمسلمين، الذين علقوا آمالهم على وعود ترامب بإنهاء الحروب الخارجية وتحقيق السلام في الشرق الأوسط، لتأتي هذه الخطوة معاكسة لتطلعاتهم.
تعيينات تعكس أجندة واضحة
من بين أبرز الشخصيات التي أثارت الجدل، ترشيح السيناتور الجمهوري ماركو روبيو لتولي وزارة الخارجية. يُعرف روبيو بانتمائه لتيار “الصقور”، الذي يدعم السياسات الإسرائيلية دون تحفظ. فمنذ انضمامه إلى مجلس الشيوخ عام 2011 وعضويته في لجنة العلاقات الخارجية، لم يتوانَ عن تأييد إسرائيل علنًا.
أما وزارة الدفاع، فقد اختار ترامب لها المذيع التلفزيوني والعسكري السابق بيت هيغسيث، الذي يُعد من أكثر المدافعين عن السياسات الإسرائيلية اليمينية. سبق أن دعا هيغسيث إلى “تدمير غزة”، وأيد اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني عام 2020، بل وحث على قصف إيران بشكل مباشر.
وعلى صعيد التمثيل الدبلوماسي في الأمم المتحدة، رشح ترامب إليز ستيفانيك، المعروفة بانتقاداتها الشديدة للأمم المتحدة واتهامها بأنها “معادية للسامية”. في حين رشح مايك هاكابي سفيرًا لدى إسرائيل، وهو من أبرز الداعمين للاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، ومعارض قوي لحل الدولتين.
كما ضمت التعيينات ستيفن ويتكوف كمبعوث للشرق الأوسط، وهو رجل أعمال تربطه علاقات وثيقة بإسرائيل، ويؤيد مواقفها الإقليمية بشكل علني.
أثارت هذه التعيينات استياءً واسعًا بين الناخبين العرب والمسلمين الذين صوتوا لترامب في الانتخابات الأخيرة على أمل أن يتبنى سياسة مختلفة عن تلك التي انتهجها سلفه جو بايدن. غير أن هذه التوجهات تعكس استمرار النهج الأمريكي التقليدي في دعم إسرائيل دون أي اعتبار للحقوق العربية أو الفلسطينية.
قراءة تحليلية: بين الدين والسياسة
الدكتور سامي العريان، رئيس مركز الدراسات الإسلامية والشؤون العالمية بجامعة صباح الدين زعيم التركية، وصف ترشيحات ترامب بأنها تغلب عليها شخصيات ذات أجندات صهيونية واضحة، ترى في دعم إسرائيل أولوية استراتيجية. وأشار إلى أن بعض هذه الشخصيات تنتمي إلى ما يعرف بـ”الصليبيين الجدد“، وهي تيارات غربية متشددة تستند إلى نبوءات توراتية تتعلق بـ”حروب نهاية الزمان”.
وفق هذه الرؤية، يتبنى “الصليبيون الجدد” دعمًا غير مشروط لإسرائيل، إيمانًا منهم بأن السيطرة الإسرائيلية على القدس وتوسعها الاستيطاني تمثل خطوة نحو تحقيق هذه النبوءات.
العريان لم يستبعد أن يمنح ترامب إسرائيل حرية واسعة في التصرف قبل موعد تنصيبه الرسمي، ولكنه رجح أن تسعى الإدارة الأمريكية المقبلة إلى تحقيق الأهداف الإسرائيلية عبر تسويات سياسية بدلاً من الحروب الشاملة.
بهذا، تبدو المنطقة مقبلة على مرحلة من التعقيد السياسي، حيث تتجلى الحاجة إلى استراتيجيات عربية موحدة لمواجهة التحديات الجديدة، والوقوف أمام التوجهات المتطرفة التي تهدد السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.