رحلة استرجاع الصحراء المغربية: دعم دولي وشهادات تاريخية

 

بحلول 6 نونبر من كل عام، يستحضر المغاربة مشهدًا بطوليًا خالدًا؛ حين هبت جموع غفيرة من الرجال والنساء، يقطعون كثبان رمال الصحراء حاملين الأعلام والمصاحف، في مسيرة أطلق عليها الملك الراحل الحسن الثاني اسم “المسيرة الخضراء“. كانت هذه المسيرة السلمية حركة عظيمة لاسترجاع جزء كبير من تراب المملكة، حيث سارت حوالي 350 ألف مغربية ومغربي نحو الحدود الفاصلة بين شمال المغرب وجنوبه، بهدف إنهاء استعمار الصحراء من إسبانيا دون اللجوء إلى السلاح.

لكن المسيرة الخضراء لم تكن مجرد حدث عابر؛ بل كانت قرارًا استراتيجيًا للملك الحسن الثاني ،إذ شكل هذا الحدث فرصة لإثبات قدرة المغرب على استعادة حقه التاريخي. فكان الملك الراحل مهددًا بالتنحي عن الحكم إذا فشلت المسيرة، ولكنه كان واثقًا من استعادة الصحراء. وعندما ظهرت بوارق النجاح، أمر بوقف المسيرة واستعد لعهد جديد من التفاوض.

 

ومن الوثائق الداعمة لأحقية المغرب بالصحراء، وثيقة تعود لعام 1974، محفوظة في خزانة الكونغرس الأمريكي، تكشف تفاصيل لقاء جمع الملك الحسن الثاني بوزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر. في هذا اللقاء، عبر الحسن الثاني عن قناعته بأن الصحراء جزء لا يتجزأ من المغرب، وأكد رفضه التام لأي خطوة نحو استقلال المنطقة، مفضلًا أن تظل تحت السيطرة الإسبانية على أن تتحول إلى دولة مستقلة.

 

كان الحسن الثاني قد أطلع وزير الخارجية الإسباني لوبيز برافو على موقفه قائلاً: “أفضل بقاء الصحراء تحت النفوذ الإسباني على رؤيتها كدولة منفصلة“. وكان واثقًا أن محكمة العدل الدولية ستؤيد مغربية الصحراء، إذ أشار إلى أن المدن الصحراوية كانت تدار تاريخيًا من طرف المراكز الإدارية المغربية.

 

أكد كيسنجر، الذي أبدى تأييده لموقف الملك، على تفهمه لوضع المغرب، بل واعتبر أن وجود دولة مستقلة بالصحراء سيكون بمثابة عبء جيوسياسي يضر بمصالح المنطقة.

 

في عام 1975، بلغت الأوضاع في الصحراء ذروتها. وبعد صدور رأي محكمة العدل الدولية، انطلقت المسيرة الخضراء في خطوة جريئة لجر إسبانيا إلى طاولة المفاوضات، والتي أثمرت عن توقيع اتفاقية مدريد في 14 نونبر 1975. وقد شهدت هذه الفترة تحركات مكثفة، حيث التقى الملك الحسن الثاني شخصيات بارزة من بينها الملك الإسباني خوان كارلوس، والرئيس الجزائري هواري بومدين، في مسعى لإيجاد حل سلمي. إلا أن إسبانيا كانت متحفزة لمواجهة محتملة، فاستنفرت قواتها على الحدود، وقامت بتلغيم مناطق قريبة لمنع المتظاهرين المغاربة من العبور.

 

وفي 3 نونبر، أعلن رئيس “الجامعة الصحراويةخاطري الجماني عن ولائه للملك الحسن الثاني، في مشهد تاريخي يعبر عن تجديد البيعة والوفاء للوطن.

 

المسيرة الخضراء لم تكن مجرد حدث تاريخي، بل فصل مشرق من نضال طويل لاسترجاع الصحراء، معززة بوثائق وشهادات تاريخية تؤكد مغربية الصحراء.

 

إلى جانب الوثائق الأمريكية، تأتي أهمية الوثائق الفرنسية في تعزيز أحقية المغرب بالصحراء؛ أدلة قوية تدعم المطالب المغربية. ففي عهد الاستعمار الفرنسي لشمال المغرب، كانت المراكز الإدارية الفرنسية تدير شؤون المناطق الصحراوية كمناطق تابعة للمغرب، وتؤكد السجلات الرسمية الفرنسية لعام 1955 هذا الوضع، حيث كانت تشير بوضوح إلى أن مدن الصحراء كانت تدار من قبل السلطات المغربية.

 

هذه الوثائق لم تكن مجرد سجلات إدارية عابرة، بل تعد دلائل رسمية على الاعتراف الإداري والسياسي الفرنسي بأن الصحراء جزء لا يتجزأ من المغرب، مما يعزز الموقف المغربي أمام المجتمع الدولي. هذه الوثائق شكلت نقطة قوة أمام محكمة العدل الدولية، حيث استند المغرب إليها ليظهر للعالم أن ارتباطه التاريخي والإداري بالصحراء ليس وليد اللحظة، بل يمتد عبر العصور.

 

كما أن الحسن الثاني كان يدرك أهمية هذا الدعم الوثائقي، الذي لم يقتصر على فترة الاحتلال الفرنسي، بل شمل فترات تاريخية أقدم تؤكد الروابط القانونية والسياسية بين الصحراء المغربية والمملكة.

شاهد…..

 

 

يمكنكم مشاركة المقال على منصتكم المفضلة