انضم الشاب زين إلى مجموعة من الأصدقاء والصديقات، وهم متكؤون على حائط مجاور لمحل لبيع السجائر غير بعيد عن الثانوية التي يدرسون بها، وقد غطت وجوههم أدخنة السجائر والسجائر الإلكترونية.
على غرار أفراد المجموعة، بدا زين وهو يدخن كمن يبحث عن إشباع نزوة، يعتقد أنه لن يبلغها إلا بإدمانه على مادة النيكوتين.
والرغبة في تدخين سيجارة تلو أخرى كان يبدو أمرا محبوبا بين هؤلاء الشباب الذين وقعوا ضحايا منتجات التبغ استمالتهم في وقت مبكر جدا. وهذا الفضاء حيث تجمعوا في قلب مدينة الرباط يشهد على أن عملا كثيرا ينتظر مختلف الفاعلين في المجتمع والمجال التربوي للحيلولة دون تمدد هذه الآفة وانتقالها من جيل لآخر.
وترى الأخصائية في أمراض الرئة الدكتورة حنان الأعرج أن الشباب هم أشخاص “يبحثون عن أنفسهم، أو عن نماذج، أو التشبه بأشخاص آخرين”.
وتابعت أنهم “بهذا يجدون أنفسهم متأثرين بشكل غير مباشر بالرسائل الوهمية التي يتم بثها في الأفلام أو مقاطع الفيديو” ليستسلموا بسهولة للإغراءات، وخاصة للسجائر الإلكترونية كبديل للسجائر التقليدية الخطيرة.
وحذرت السيدة الأعرج من أن “هذه السيجارة البديلة الجذابة والمعززة بنكهات الفواكه، وما تثيره في صاحبها من شعور خاص عند تدخينها، غالبا ما تدفع إلى الإدمان عليها”، مسجلة أن “مصنعي التبغ إنما يبيعون الشباب إدمانا قاتلا مستخدمين في ذلك لغة تسويقية منمقة لاستدراجهم عبر وسائل إعلام متعددة، خاصة الرقمية منها”.
وبركوبها على خطاب يربط السجائر أو السجائر الإلكترونية بالحرية وإثبات الذات، تكون صناعة التبغ قد نجحت في جلب العديد من المستهلكين إلى شبكتها، لاسيما بين الأصغر سنا. ولا يخفى على أحد كيف استعانت شركات التبغ بالخبير في مجال الدعاية إدوارد بيرنيز للقيام بما يسمى “انقلابا تسويقيا خبيثا” لاختراق الحركة النسائية لتجاوز ما كان محظورا و”نشر التدخين بين النساء”.
ولم يكن الأمر يتعلق في البداية بسجائر، بل ب “مشاعل الحرية” لهؤلاء النساء الأمريكيات في عشرينيات القرن الماضي، حيث كن يسعين من خلالها إلى تحرير أنفسهن من “سلطة الاب” التي كانت سائدة آنذاك .
حاليا، يستهلك التبغ بشكل أو بآخر ما لا يقل عن 37 مليون مراهق تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاما في جميع أنحاء العالم، وفق منظمة الصحة العالمية التي اختارت “حماية الشباب من تدخل دوائر صناعة التبغ” موضوعا لليوم العالمي للامتناع عن التدخين لعام 2024.
ومن خلال هذا الموضوع، تسعى المنظمة إلى اتخاذ اليوم العالمي كفرصة للتنديد بالحملات التسويقية المضللة التي تستهدف الشباب (خاصة عن طريق إشراك المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي)، والدعوة إلى تقنين أكثر صرامة للسجائر الإلكترونية ومنتجات النيكوتين.
وأوردت الدكتورة الأعرج أن الآثار الجانبية والمخاطر المرتبطة بمنتجات التدخين الإلكتروني حتى وإن كانت لم ت عرف بعد، فإن “المخاطر الكبرى التي يتعرض لها الشباب تظل إدمان النيكوتين واستنشاق المواد الكيميائية التي تسبب التهاب وتهيج أجهزتهم التنفسية”.
“حتى أن هناك حالات يظهر عليها التهاب رئوي مع متلازمات ضيق التنفس”، تقول الاخصائية. وفي المغرب، تظهر معطيات كشف عنها مشروع “مؤسسات التعليم العالي خالية من التدخين” أن معدل انتشار هذه الأفة يصل إلى 13.4 في المائة بين السكان بعمر 18 سنة فما فوق. ويتراوح سن بدء التدخين بين 15 و19 عاما لدى 48.4 في المائة من المدخنين، و20 سنة فما فوق لدى 37 في المائة. يذكر أن الاستراتيجية الوطنية متعددة القطاعات للوقاية من الأمراض غير المعدية ومكافحتها 2020-2029 تهدف إلى خفض استهلاك التبغ بنسبة 20 في المائة بين الأفراد الذين تبلغ أعمارهم 15 عام ا فما فوق في أفق 2029.
وتعمل هذه الاستراتيجية في مجال الصحة المدرسية والجامعية على تعزيز التدخلات الرامية إلى مكافحة تعاطي التبغ بين المراهقين والشباب لرفع مستوى الوعي بين هذه الفئة العمرية . وينضاف إلى هذا، “البرنامج الوطني لمكافحة التدخين”’ المتمحور أساسا حول الوقاية والتوعية والإقلاع عن التدخين، بالإضافة إلى التتبع الوبائي المستمر لاتجاهات استهلاك التبغ عبر إطلاق أبحاث في المجال .