ذات يوم، خرج عبد الإله بنكيران مبتسمًا، مزهوًا بانتصاره، بعد أن حظي بشرف قيادة الحكومة المغربية. كان المشهد أشبه بمسرحية، حيث اعتلى الخشبة بلباسه الجديد مع “رطبة العنق”، متحدثًا عن الإصلاح ومحاربة الفساد، واعدًا المغاربة بالأمل. لكن ما إن أسدل الستار على أولى سنوات حكمه، حتى بدأ الواقع ينكشف شيئًا فشيئًا، وبدأت أوجه المسرحية تتبدل، من وعود براقة إلى ضرائب تثقل كاهل المواطنين، ومن شعارات عن تحسين المعيشة إلى ارتفاع الأسعار في كل شيء، من ضرائب العقارات، مرورًا بالكهرباء والماء وحتى المواد الأساسية، والقائمة طويلة…
وفي أحد الأيام، جلس بنكيران في مكتبه، ينظر في قراراته التي ستغير حياة المغاربة للأبد. بيده قلم، وبجواره تقارير عن الاقتصاد، لكنه لم يكن بحاجة إليها، فقد اتخذ قراره سلفًا. “سنحرر أسعار المحروقات”، قالها بثقة، متخيّلًا أن السوق سينظم نفسه وأن الأسعار ستنخفض كما حدث مع زيت المائدة. لكنه نسي أمرًا بسيطًا: أن سوق المحروقات ليس كأي سوق، “داكشي كبير عليك أعمي الحاج” وأن رفع الدعم دون ضمانات للمنافسة لم يكن سوى بوابة لنهب جيوب المغاربة.
ومرت الأيام، وبدأت أسعار المحروقات ترتفع، وبدأ المغاربة يشعرون بثقل القرار، لكن بنكيران لم يكن موجودًا ليبرر لهم ما فعله. فقد غادر منصبه، تاركًا وراءه إرثًا من الأزمات الاقتصادية، وتوارى عن الأنظار لبعض الوقت، وكأنه كان ينتظر اللحظة المناسبة ليعود إلى المشهد. وها هو اليوم، بعد سنوات من الغياب، يعود بخطاب المظلومية، مدعيًا أنه كان ضحية، وأنه لم يكن يعلم أن قراره سيؤدي إلى كل هذا الغلاء.
يقف بنكيران أمام الجمهور، يمسك الميكروفون، يتحدث بحماسة، يحرك يديه كعادته، ويقول: “أنا لم أرفع الأسعار، بل حررتها”، وكأنه يعتقد أن المغاربة قد فقدوا ذاكرتهم. لكنه لم يكن يعلم أن الجمهور هذه المرة لم يعد يضحك، لم يعد يصفق، بل صار يتساءل: كيف لرجل حكم لسنوات هو و حزبه، وفرض علينا ضرائب لا تنتهي، من السيارات إلى العقارات، أن يأتي اليوم ويشتكي كأنه لم يكن السبب في كل ما نعيشه؟
على ما يبدو أن بنكيران اشتاق لربطة العنق والبدلة الأنيقة، وسئم من جلباب و طاقية “باسيدي” خيث ارتداهما لفترة طويلة. فبعد أن ذاق طعم السلطة، لم يعد بإمكانه العيش بعيدًا عن الأضواء، فراح يعود بين الفينة والأخرى ليذكرنا بأن الامل مازال موجود “به طبعا”. لكنه ينسى أن المغاربة لم يعودوا يصدقون عروضه القديمة، وأنهم أصبحوا يعرفون من فتح “روبيني الغلاء”، ومن كان السبب في معاناتهم اليومية.
فلولا حكمة و حب جلالة الملك محمد السادس لشعبه، ورؤيته الاستباقية التي حفظت استقرار البلاد، لكنا اليوم في وضع لا تحمد عقباه. فبينما انشغلت الحكومات بخلق الأزمات، كان جلالته دائما يسهر على حماية الاقتصاد الوطني من الانهيار.
واليوم، يحاول “مول الجلابة” إعادة نفسه إلى الواجهة، متناسيًا أن المغاربة لم سئموا من خطبه المليئة بالمظلومية، بل إلى حلول حقيقية تعوضهم عن سنوات من القرارات العشوائية التي يدفعون ثمنها حتى اليوم.
حقيقية يمكن للمسرحية أن تستمر، لكن الجمهور لم يعد كما كان، والمشاهدون لم يعودوا يضحكون، بل باتوا يطالبون بنهاية لهذا العرض الذي طال أكثر مما ينبغي.