وصلت العلاقات بين باريس والجزائر إلى نقطة اللاعودة، بعد أن نفد صبر فرنسا تجاه تعنت النظام الجزائري، الذي اختار سياسة التصعيد والمقاطعة بدلًا من الواقعية السياسية. ففي خطوة حازمة، طالب وزير العدل الفرنسي، جيرالد دارمانان، الثلاثاء، باستدعاء السفير الفرنسي من الجزائر، وفرض عقوبات دبلوماسية صارمة على المسؤولين الجزائريين، تشمل حرمانهم من التأشيرات الدبلوماسية، في رسالة واضحة تؤكد نفاد صبر باريس إزاء استفزازات النظام الجزائري.
وأكد دارمانان، خلال مقابلته مع قناة TF1، أن الجزائر لا تملك سفيرًا في فرنسا منذ أشهر، لكن فرنسا تحتفظ بسفيرها بالجزائر ، وهو ما اعتبره اختلالًا غير مقبول في التوازن الدبلوماسي، مطالبًا برد مماثل من باريس. ولم يكن ذلك الطلب سوى خطوة من سلسلة إجراءات تصعيدية اتخذتها فرنسا، بعد أن رفضت الجزائر استقبال مواطنيها المدرجين ضمن قائمة فرنسية للترحيل، متذرعة بحجج واهية لا تخفي رغبتها في تصعيد التوترات مع باريس.
وفي سياق التصعيد الفرنسي، أعلن وزير الداخلية، عن تعليق اتفاقية 2007 الخاصة بإعفاء حاملي الجوازات الدبلوماسية الجزائرية من التأشيرة، ما يعني أن رموز النظام الجزائري الذين اعتادوا دخول فرنسا بامتيازات خاصة سيجدون أنفسهم اليوم معزولين عن أوروبا، في خطوة وصفت بأنها “ضربة موجعة” لنخبة النظام الجزائري الفاشل.
ولم يكتفِ المسؤولون الفرنسيون بهذه الإجراءات، بل لمح دارمانان إلى إمكانية مراجعة معاهدة 1968، التي تنظم وضع الجزائريين المقيمين في فرنسا، مشيرًا إلى أنها “لم تعد تتناسب مع الواقع الحالي”. هذه التصريحات تؤكد بوضوح أن باريس لم تعد مستعدة لمواصلة التعامل مع الجزائر بمنطق المجاملة، وأنها باتت تنتهج أسلوب “الرد التدريجي”، لضبط النظام الجزائري عند حدوده.
و لم يكن هذا التصعيد وليد اللحظة، فقد بدأ الغضب الجزائري منذ إعلان فرنسا دعمها العلني لمغربية الصحراء، وهو ما شكل صفعة قاسية للنظام الجزائري، الذي يدعم شرذمة البوليساريو في محاولاتها البائسة لفرض واقع مزيف على أرض الواقع. الشيء الذي أدى إلى موجة من الهستيريا الدبلوماسية في الجزائر،
وفي رد فعل متشنج، لجأت الجزائر إلى تخفيض تمثيلها الدبلوماسي في باريس، وتعليق بعض اتفاقيات التعاون الأمني، وعرقلة التعاون مع فرنسا في ملف الهجرة، في خطوة لم تحقق سوى مزيد من العزلة للنظام الجزائري، الذي بات يخسر حلفاءه واحدًا تلو الآخر بسبب سياساته العدائية وغير الواقعية.
الرسالة الفرنسية واضحة: عهد التسامح مع النظام الجزائري قد ولى، والتصعيد لن يكون في صالح كابرانات المرادية الذين اعتادوا اللعب بورقة الهجرة والتهديد الدائم بقطع التعاون الأمني. فباريس ترد بعقلانية وواقعية، وتجعل من رموز النظام الفاشل أول ضحايا هذه الأزمة، في مؤشر على أن فرنسا لن تتراجع عن موقفها، بل قد تتخذ خطوات أكثر إيلامًا إذا استمرت الجزائر في نهجها الصبياني.