وجهة نظر في حرب السودان

لقد ابتعدت كثيراً عن السجال فيما يدور الآن في السودان، وغادرت كثيراً من القروبات بعد أن اكتشفت أن جزءاً كبيراً من الحقائق غائب أو مغيّب عنا. لكنني أظل مع الجيش الوطني، لأنه هو الأساس الذي انبنى عليه هذا الوطن، بينما “الدعم السريع” مجرد حالة طارئة طغت على المشهد الآن.

لقد ارتكبت الحركة الإسلامية أخطاء فادحة في إدارتها للبلاد خلال أعوامها الثلاثين. وصار البشير دكتاتوراً لا يُري الناس إلا ما يَرى، ونُصح كثيراً من قبل المخلصين من أبناء هذه الحركة ولكنه لم يستبن النصح الا ضحى الغدِ. وقد أحاط نفسه بسياج متين من زمرة المنافقين وأجهزة المخابرات العالمية المزروعة، مثل طه عثمان وغيرهم، واغترّ بالحكم وشهوة السلطان، فانتزع الله منه الملك انتزاعاً وأراه المرارة والعذاب في الدنيا، وفي الآخرة حساب عسير.

ولعل أكبر خطأ ارتكبه البشير هو تأسيسه الدعم السريع لتأمين نفسه. ونسي الله فأراه من آياته، وانقلب عليه الدعم السريع بعد ذلك. ولا يختلف اثنان على أن الدعم السريع هو مليشيا غير نظامية ارتكبت مع البشير فظائع التطهير العرقي والإبادة الجماعية وقتل وحرق المدنيين في قرى دارفور، ونحن شهود على ذلك، وبعض قادتها مطلوبون للعدالة الدولية مع البشير، وعلي كوشيب خير نموذج.

حينها لم يسكت أبناء الحركة من الأكاديميين على ذلك، وكان مصيرهم التهميش والتضييق والمطاردة والمراقبة لبيوتهم. لقد اندلعت هذه الحرب التي نجترّ مرارتها جميعاً اليوم، وتكررت الأعمال الوحشية من قبل الدعم السريع وبعض الفلول ضد المدنيين، من نهب للبنوك والشركات وتدمير البني التحتية للبلاد، واغتصاب النساء. وجاءت حوادث الجنينة والتطهير العرقي لأهلنا المساليت الذين فر من نجا منهم إلى تشاد، حيث يعيشون الآن ظروفاً مأساوية. وأهلنا في نيالا شُرِّدوا وجُوّعوا ومات منهم من مات تحت وطأة المرض وعدم توفر العلاج وأزيز المدافع والرصاص.

 ما ذنب نيالا أو الجنينة أو زالنجي أو الفاشر؟ والله إنه لأمر محزن للغاية. إن الحرب التي تجري في السودان تديرها المخابرات العالمية والماسونية بالتعاون مع بعض أبناء السودان الذين ما هم إلا أدوات لتنفيذ مخططات عالمية، لا ضحايا لها سوانا. والمؤلم حقاً أن مصيراً قاتماً ومستقبلاً مجهولاً ينتظر أبناءنا، للأسف.

السودانيون مشردون في أرض الله الواسعة، يعانون من ضنك العيش وضيق ذات اليد، ولا أمل يلوح في الأفق. أما من دمر كبري شمبات أو المصفاة فالله شاهد على أعمال كل فريق. إننا نقف مع الجيش الوطني الذي عرفناه صمام أمان للوطن، على الرغم من أخطائه. ولكننا في هذه اللحظات نقف معه وندعو له بالنصر.

إننا ننادي، قبل كل شيء، بوقف الحرب أولاً وبصفة نهائية، وندعو لإعادة بناء الجيش السوداني علي أسس قومية وطنية راسخة، مع إبعاده ـ بنص الدستور ـ من التدخل نهائياً في السلطة، واعتماد النظام الفدرالي لإدارة الحكم في البلاد، و قبول التنوع أساساً إيجابياً لكيفية حكم البلاد، أسوة بالنظام الفدرالي في نيجيريا، على سبيل المثال.

إن النفس مشحونة بالألم والمعاناة والضيق، والعالم يشهد ما حاق ببلدنا من إبادة وتشريد لأهلنا الطيبين في كل مكان، ولكنه يكتفي بالفُرجة.

 لكنّا لن نيأس من رحمة الله.

د.عمر زكريا أبو القاسم/الرباط.

يمكنكم مشاركة المقال على منصتكم المفضلة