هل الإعلام المغربي فعّال في مكافحة الفساد…؟!

مصطفى قطبي

ليس في مقدور الإعلام بكل تنوعاته ووسائله أن يحمل اختصاصات ويتخذ قرارات ويمتلك صلاحيات هي من اختصاصات وقرارات وصلاحيات (هيئة أو جهة رقابية تفتيشية…)، إذ لا يمكن عبر تلفزيون أو جريدة أو موقع إلكتروني إقرار طريقة محاسبة وعقوبة متورط في خلل ما، أو اقتراح الحجز على أموال فاسد أو فاسدين أو إحالة مرتكبين إلى القضاء…فالإعلام يثير ملفات مكافحة فساد، ولكن لا يتخذ قراراً في خلاصاتها ونتائجها، وهذا أقصى وأفضل شكل من أشكال مكافحته للفساد، أي الكشف والتقصي في ملفات الفساد وفضح مرتكبيه تمهيداً وتسهيلاً لعمل جهات رقابية وقضائية تتولى محاسبتهم…

أشكال الفساد في جوانبه القانونية والإدارية والمالية توصل إلى الفساد الأخلاقي، وهما يوصلان إلى التهديد بانهيار الدولة والمجتمع، ويتمثل ذلك بأولئك الذين يبيعون أوطانهم لمن يدفع أكثر ويقدم المغريات الأكبر دون أي رادع، ما يشير بوضوح إلى أن معركة مواجهة الفساد لا تقل أهمية عن معركة محاربة الإرهاب والإجرام، لأنه يوفر مناخ إعادة إنتاج الآلاف ممن يساهمون في محاولة اغتيال الوطن والمواطن. إن كل الأدوات والوسائل والسياسات ضرورية وهامة في معركة مكافحة الفساد، ومن أهمها الدور الذي يلعبه الإعلام، والذي يجب أن يلعبه في المرحلة الراهنة والمرحلة المقبلة، لأنه عين المجتمع وضميره والحارس لأخلاقياته وقيمه، والأمين على قضايا الناس وخدمتها والدفاع عنها حاضراً ومستقبلاً، وهو المؤشر الهام على صدقية دوره من خلال متابعاته لتلك القضايا وتلك الحاجات وصولاً إلى جعلها قضايا رأي عام تتشكل من خلالها قوى مجتمعية ضاغطة سياسياً وأخلاقياً إيصالاً للحق إلى أصحابه ورفعاً للظلم الواقع عليهم.


إن أهمية دور الإعلام في متابعة قضايا الوطن والمواطن تشير في جانب من جوانبها إلى حساسية ذلك الدور وخطورته إذا ما خرج عن منهجية العمل وحرفيته وأخلاقيته المهنية، لأنه حينها سيتحول إلى إحدى أدوات تجسيد الظلم وتجميل الأخطاء والتمويه على الفساد والمفسدين، الأمر الذي يتناقض مع رسالة الإعلام ووظيفته وحرفها بعيداً عن روح المصداقية والموثوقية والموضوعية، في الوقت الذي يتطلب أن يكون صوت الحق والحقيقة عاملاً على استقطاب أوسع فئات المجتمع حول ما ينشره وما يقوله في وسائله المقروءة والمسموعة والمرئية بمصداقيته التي يجب أن يحرص على تأكيدها وتعميقها يوماً بعد يوم… ذلك أن الإعلام ليس أخباراً وحوادث وفعاليات وقصصاً، إنه أداة موجهة ورسالة لقدرته على إحداث تغييرات حقيقية عميقة وشاملة، وعلى بناء حالة وعي وخلق رأي عام فعال يشكل قوة ضاغطة، وفعلاً يدفع لمواجهة الأخطاء والسلبيات كما المظالم والإساءات، ووضعها أمام الجهات الرقابية المعنية من جهة وأمام الرأي العام من جهة ثانية، بحيث لا يكون هناك مجال للتهرب أو الهروب من المعالجات واتخاذ القرارات والإجراءات المناسبة والمطلوبة، وهنا تأتي أهمية الإعلام ولاسيما الإعلام الاستقصائي الذي يبحث عن الحالات، ويثبت بالأدلة والبراهين وجودها، وتقدم كحالات متكاملة، يمكن أن تذهب إلى المؤسسة المعنية سواء التفتيش أو القضاء، لمتابعتها…

ما يعني بوضوح أن الدور الحقيقي للإعلام المغربي لا يجب أن ينحصر فقط بالتحدث عن الفساد ومخاطره وتوجيه الانتقادات والإدانات إليه في إطار العموميات، بل إنه دوره الحقيقي رصدي وبحثي واستقصائي ومهني وأخلاقي وتوثيقي، لمواجهة حقيقية ضد الفساد الذي ليس شخصاً أو جماعة أو فئة من الناس، بل إنه حالة ثقافية فكرية أخلاقية تربوية اقتصادية قانونية وإدارية، تضمنت الكثير من الثغرات والنواقص استفاد منها ووظفها من لديه انعدام للأخلاق والحس الوطني، ما يهدد بهدم بنى المجتمع واختراق مناعته الأخلاقية والوجدانية، مستفيداً من موقعه ونفوذه من جهة، ومن علاقاته مع من هم في مواقع أكثر نفوذاً داخل الوطن وربما خارجه… ما يعني استشراء لثقافة الفساد والإفساد، لذلك كانت المعركة معه متعددة الجوانب والأدوات من الإصلاح القانوني والإداري والسياسي إلى الإصلاح التربوي والثقافي والشرعي وغيره، وهي تحتاج للكثير من الجدية والمتابعة، وصولاً إلى المحاسبة الرادعة، ما يعيدنا مرة أخرى إلى الأهمية الخاصة لدور الإعلام وإشهاره سلاحه الاستقصائي للوصول إلى المعلومات الوثيقة التي لا تدع مجالاً أمام مرتكبي الفساد، ووضع تلك المعلومات أمام الجهات المعنية لتأخذ العدالة والقصاص مجراهما. ومن المهم التفكير جدياً في تفعيل هذا النوع الإعلامي في إعلامنا كي نصل إلى ميزة يمكن أن يشتهر بها الإعلام الوطني المغربي وأن يصنف على أنه (إعلام مكافحة فساد)… ومن المغريات تجاه اعتماد هذا النوع من الإعلام هو أنّ الفساد في بلدنا وافر ومتسيد، بينما عملية مكافحته دائماً رهينة دوامة البحث عن آليات وهيكليات وإمكانات جديدة، وهذا يعني عند التنبه الجدي إلى دور الإعلام الوطني في مكافحة الفساد أن للمسألة جانباً وطنياً وواجباً عميقاً تجاه الاقتصاد الوطني والدولة والوطن…

عندما تقتنع الحكومة وإدارات وسائل الإعلام العامة والخاصة بدور الإعلام في مكافحة الفساد، فإنّ ذلك يتطلب مهمات تنفيذية وتالياً إمكانات خاصة لدوائر وأقسام تدعم بمحررين وإعلاميين وكفاءات تقبل تحمل عبء مكافحة الفساد وضغوطه ويتطلب تحفيزها من خلال تقدير حقيقي معنوي ومادي للتقصي الإعلامي في مجال مكافحة الفساد، إذ جفت وسائل إعلامنا من محرري مكافحة الفساد! من يدري فربما نصل في يوم ما إلى تصنيف الإعلام المغربي على أنه إعلام فعّال في مكافحة الفساد، لعله يمحو الصورة التي سوّق نفسه بها وهي أن مهمته الواجهة العريقة هي: خدمة الحكومة والتغافل عن خدمة الدولة والتغافل عن استفحال الفساد!.

للإعلام دور رئيسي في مكافحة الفساد، لهذا يتوجب أن يترجم ذلك في وسائل الإعلام المختلفة، تجسيداً لذلك الدور، وأن تكشف وتتابع وتحلل مظاهر الفساد وأفضل السبل للوقاية منه، وحماية النزاهة، ونقد أداء الجهات الحكومية بما فيها الجهات الرقابية، والغاية تجسيد حقيقة أنّ ”الوطن يتسع للشرفاء ويضيق على الفاسدين”.لهذا وحتى نكون عمليين أكثر، فلتكن مكافحة الفساد هي أولويتنا في مؤسسات الدولة والمجتمع ككل… دعونا نضعها أولوية ليس أمام المسؤول فقط، بل أمام كل فرد فينا، لينتقل كل واحد فينا من مجرد الحديث عنه إلى العمل الحقيقي لمواجهته، لنضربه من الجذور، بدلاً من هدر الوقت في تقليم الفروع. إنّ معركة محاربة الفساد والمفسدين لا تقل أهمية عن معركة مواجهة الإرهاب الظلامي، لأن اختراق المجتمعات من داخلها يسهّل أخذها من الخارج.

يمكنكم مشاركة المقال على منصتكم المفضلة