مصطفى قطبي
بعد علاقة شابها الغموض، وركبها التأويل، اختلط فيها الواقعي بالعاطفي، وبعد شدّ وجذب، تزوج الأستاذ ”أحمد” بالتلميذة ”جميلة” ذات الملامح الطفولية التي تفيض حيوية وأنوثة، وهي التي لم تكمل بالصفّ الإعدادي، وبعد يوم واحد من الزواج لاحظ أنّ بطن شريكة حياته منتفخة بشكل غير عادي، فعرضها على الطبيب ”ش” ليعلن أنّ زوجته حامل منذ أربعة أشهر. كانت صدمة لـ ”أحمد” وهو الذي لم يمض على زواجه يومين. حاول بكلّ الوسائل معرفة حقيقة المولود لكن دون جدوى، الشيء الذي جعله يطلب من عائلتها فسخ عقد الزواج.
ومرّت الشهور وزاد الأمر تعقيداً، حيث وضعت ”جميلة” مولوداً، ممّا جعله يعرض دعواه على المحكمة الابتدائية مطالباً بفسخ العقد وبعدم إلحاق الجنين به لفساد النكاح. أمّا ”جميلة” المدعى عليها، فقد استغربت لهذا المطلب كون ”أحمد” كان مرافقاً لها أكثر من 14 سنة ويعرف سلوكها وطبعها وأنّه لم يتحدّد موعد زفافها إلاّ بعد مخاض عسير. وقد أكّد نائب المدعى عليها أنّ ادعاء الحمل لا يوجد ما يعضده بالملف وأنّ عقد الزواج يبقى ساري المفعول وصحيح وأنّ الشهادة المدلى بها تتضمن أكاذيب ومثلها لا يمكن أن تمثل الواقع. وهذا ما دأب عليه القرار الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ : 15 ـ09ـ1981، والذي يذهب إلى أنّ على القاضي اعتماد جميع الوسائل المقرّرة شرعاً في نفي النّسب وغيرها وليس بينها وسيلة التحليل الطبّي وأنّه يتعيّن عرض الطرفين على خبرة طبيّة واتباع المواد من 59 إلى 66 من ق.م. لتحديد ذلك، وإلاّ كان الحكم غير على أساس، خصوصاً أنّ الصور البيانية للرحم المدلى بها، لا تتعلق بالعارضة والتمس الحكم برفض الطلب…
وبناء على الحكم التمهيدي، فقد عرضت ”جميلة” على خبرة طبية، جاء في تقريرها أنّ حمل المدعى عليها تمّ قبل فترة الزواج، والطفل ولد في مدّة 5 أشهر وأربعة أيّام بعد تاريخ الزواج، وهي مدّة غير كافية لولد طبيعي. ما جعل دفاع المدّعي يعتبر عقد الزواج فاسداً كون المدعى عليها أخفت واقعة الحمل عند الزواج… ويتعيّن فسخ عقد الزواج والقول إنّ هذا العقد فاسد لا يُرتب أثاراً قانونية، ومن تمّ عدم إلحاق الابن بالعارض.
نائب المدعى عليها اعتبر أنّ المدعي كان يعاشر ”جميلة” أثناء فترة الخطبة معاشرة الأزواج وذلك بالإقامة معها بمسكن خاص بينهما مدّة تتجاوز 14 سنة قبل تحرير عقد الزواج وأنّ المدعي عقد على العارضة وهي حامل ويعلم على اليقين بذلك، ولم ينف نسب ابنه له إلاّ بعد الوضع دون ممارسة مسطرة الطعن، وأنّ ”جميلة” تتمسّك بمقتضيات المادة 158 من مدونة الأسرة قصد الاستماع إلى الشهود.
وفي جلسة حضرها الطرفان ونائباهما عرضت علهما محاولة الصّلح، لكن باءت بالفشل، ممّا تقرّر بإهمالهما لإحضار المقربين والشهود الذين حضروا الخطبة، واستكمالاً للبحث، صرّح المدّعي أنّ فترة الخطبة التي لم تتجاوز عشرة أيام وأنّه فوجئ باستعجال المدعى عليها في إبرام عقد النكاح هي ووالديها خلاف ما تمّ الاتفاق عليه أثناء الخطوبة من تأخير إبرام عقد الزواج إلى صيف نفس السنة، وأنّه مباشرة بعد إبرام عقد النكاح اكتشف حمل المدعى عليها بعد معاينته لانتفاخ بطنها وتأكيد الطبيب للحمل… وقد طلبت منه ”جميلة” أن يسترها وأغرته بمقابل مادّي عبارة عن سيارة، وذلك بعد أن تقوم ببيع كل حليّها الذهبية وأخبرته بأن سبق لها أن انقطعت عن الدراسة في المرحلة الإعدادية بعد سوء تفاهم بينها وبين والديها وأصبحت تتعاطى للفساد، بل إنّها تخلصت من حمل كان بها في هذه الفترة، وأنّها تتعاطى شرب السجائر والخمر، وأنّها كانت تقطن مع أختها لوحدهما طيلة السنة… ورجوعها لبيت والديها كان مقابل مبلغ مالي تؤدّيه لهما.
أمّا المدعى عليها ”جميلة” فقد صرّحت بأنّها كانت على علاقة مع ”أحمد” منذ 1991، وكان يعاشرها معاشرة الأزواج لأنّه وعدها بالزواج وكان عمرها آنذاك لا يتجاوز 17 سنة، وأنّ ذلك كان بمعرفة والديه وعلمهما لأنّها كانت تتردد معه على منزلهما وكانت تعاشره به… وقد وثقت بوعوده ما جعل إبرام عقد الزواج يتأخر، وأنّها أقامت معه في إقامة ” الرّجاء ” حتى قبل تجهيزها بالإنارة، وأنّ سكان هذه الإقامة كانوا يعتقدون أنّهما على علاقة زوجية.
وبعد الاستماع إلى شهود المدعي والمدعى عليها، وبعد المداولة طبقاً للقانون، حيث يهدف المدعي من دعواه إلى فسخ النكاح الرابط بينه وبين المدعى عليها وعدم إلحاق الجنين الذي بالمدعى عليها به لاكتشافه حمل المدعى عليها مباشرة بعد إبرام عقد الزواج بينهما ولكون حملهما كان من 17 أسبوعاً في اليوم الموالي للعقد وتحميل المدعى عليها الصائر. وحيث بعد أن تأكدت المحكمة بواسطة خبرة طبية بأنّ حمل المدعى عليها كان قبل إبرام عقد الزواج تشبتت هذه الأخيرة بمقتضيات المادة 156 من مدونة الأسرة معتبرة أنّ حملها من المدعي كان أثناء فترة الخطوبة.
وحيث تأكّد للمحكمة من خلال البحث، أنّ حمل المدعى عليها وأنّ نسبته للمدعي فإنّه كان قبل الخطبة بتصريحها هي بنفسها بالإضافة إلى تأكيد ذلك من طرف الشهود المستمع إليهم بجلسة البحث، بل أنّ المدعى عليها أكّدت أنّها كانت تعاشر المدعي معاشرة الأزواج حتّى قبل الخطبة. وحيث أنّ مقتضيات المادة 156 من مدونة الأسرة وإن جاءت لحماية النّسب الذي يظهر بالمخطوبة المشتهر خطبتها فإنّها اشترطت أن يكون الحمل الذي ينسب للخاطب للشبهة قد تمّ أثناء الخطبة وليس قبلها. وحيث أنّ المحكمة ملزمة بالبتّ طبقاً للقوانين المطبقة على النازلة ولو لم يطلب الأطراف ذلك بصفة صريحة وفقاً لمقتضيات الفصل 3 من ق.م.م وحيث أنّ التكييف الصّحيح لطلب المدعي هو المطالبة ببطلان عقد الزواج الرابط بينه وبين المدعى عليها وفقاً لمقتضيات المادّة 57 من مدونة الأسرة التي تعتبر الزواج باطلاً: ”إذا وجد بين الزوجين أحد موانع الزواج المنصوص عليها في المواد 35 إلى 39…”. ما دامت المدعى عليها من المحرمات على المدعي حرمة مؤقتة لأنّها كانت حاملاً قبل العقد عليها وبالتالي كانت في استبراء وفقاً للفقرة الأخيرة من المادة 39 من مدونة الأسرة. أمّا مقال المدعية التي تهدف إلى الحكم لها بنفقتها ونفقة ابنها واجبات العقيقية والنفاس 10.000 درهم وألف درهم كنفقة لها و2000 درهم شهرياً كنفقة لابنها. وتطبيقاً لمقتضيات الفصول 1ـ3ـ32ـ50ـ124 من ق.م.م والمواد 156 ـ 159. حكمت المحكمة بجلستها العلنية ابتدائياً وحضورياً : ببطلان عقد الزواج الرابط بين المدعي والمدعى عليها المضمن، وبعدم لحوق نسب الابن المزداد للمدعى عليها بالمدعي وتحميل المدعى عليها الصّائر.