اثارت مبادرة العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية والجمعية الوطنية للإعلام والنّاشرين، التي تمثلت في اعتماد “بطاقة الملاعب” كوسيلة حصرية لتنظيم عمل الصحفيين في الملاعب الرياضية، موجة من التساؤلات والانتقادات. تأتي هذه الخطوة في سياق محاولة لتقنين دخول الصحفيين إلى الملاعب، لكنها تفتح الباب أمام إشكاليات كبرى تتعلق بمكانة المجلس الوطني للصحافة ودوره الأساسي في تنظيم المهنة وضمان حقوق الصحفيين.
إشكالية الاستقلالية المهنية
اعتماد “بطاقة الملاعب” يعكس نوعاً من التدخل المفرط للجهات الرياضية في تنظيم عمل الصحفيين، مما يثير شكوكاً حول المساس باستقلاليتهم. فبدلاً من تركيز الجهود على تسهيل مهام الصحفيين عبر الاعتماد على بطاقة الصحافة الرسمية التي يمنحها المجلس الوطني للصحافة، يتم الآن فرض نظام جديد يزيد من التعقيد ويحد من حرية التنقل والتغطية الإعلامية.
السؤال الأساسي هنا: كيف يمكن للعصبة الوطنية، التي لا تمثل السلطة التنظيمية للمهنة، أن تمنح بطاقة بديلة أو مكملة لبطاقة الصحافة؟ هذا الوضع يُعتبر تقويضاً واضحاً للصلاحيات التي يخولها القانون للمجلس الوطني للصحافة كهيئة رسمية تضمن مهنية واستقلالية الإعلاميين.
ازدواجية البطاقات: خطوة إلى الوراء
بطاقة الصحفي التي يصدرها المجلس الوطني للصحافة تُعد وثيقة رسمية تُخول للصحفي الحق في تغطية جميع التظاهرات، سواء رياضية أو ثقافية أو سياسية. فاعتماد نظام إضافي تحت مسمى “بطاقة الملاعب” لا يؤدي إلا إلى تعقيد المشهد، حيث يصبح الصحفي مُطالباً بالتعامل مع عدة جهات للحصول على تصريح لمزاولة مهامه.
بدلاً من توحيد الجهود وتعزيز الاعتراف بالبطاقة الصحفية الوطنية، تقدم العصبة نموذجاً يبدو أنه يُضعف من سلطة المجلس ويخلق ازدواجية غير مبررة. هذا قد يؤدي إلى تمييع المهنة وزيادة الضغوط على الصحفيين الذين يواجهون أصلاً تحديات مهنية ومالية كبيرة.
الضمانات المفقودة
من بين الأسئلة المشروعة التي تطرحها هذه الخطوة: ما هي الضمانات التي تُقدمها بطاقة الملاعب لحماية الصحفيين أثناء أداء مهامهم؟ وهل تُوفر هذه البطاقة الاعتراف القانوني الكافي الذي يمنع أي تعسف أو انتهاك لحقوقهم؟ يبدو أن النظام الجديد يفتقر إلى هذه الضمانات، مما يترك الصحفيين عرضة لمزيد من العراقيل في بيئة عملهم.
دور المجلس الوطني للصحافة في مواجهة التحديات
المجلس الوطني للصحافة يُعد الهيئة الوحيدة المخولة قانونياً بتنظيم شؤون المهنة وضمان احترام أخلاقياتها واستقلاليتها. لذا، تقع على عاتقه مسؤولية التصدي لمثل هذه المبادرات التي قد تُضعف من مكانته ومن دوره المحوري.
كما على المجلس أن يكون أكثر حزماً في الدفاع عن بطاقة الصحافة كوثيقة رسمية وشاملة، تعكس الاعتراف المهني والقانوني بالصحفيين. كما ينبغي أن يعمل على الحوار مع الجهات المعنية، بما فيها العصبة الوطنية والجمعيات ذات الصلة، لتوحيد الجهود وتجنب إغراق المهنة في متاهات البيروقراطية والازدواجية.
في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه مهنة الصحافة في المغرب، من الضروري تعزيز دور المجلس الوطني للصحافة كمرجعية أساسية تُدافع عن حقوق الصحفيين. المبادرات التي تُضيف تعقيدات جديدة، مثل “بطاقة الملاعب”، لا تُساهم في تحسين ظروف العمل الإعلامي، بل تُشكل عبئاً إضافياً يُضعف من استقلالية الصحافة ودورها المحوري في نقل الحقيقة.
على الجهات المسؤولة أن تُراجع هذه الخطوات وأن تضع مصلحة الصحفيين في المقام الأول، مع التركيز على تفعيل القوانين القائمة بدلاً من ابتكار حلول تبدو وكأنها محاولة للالتفاف على الأطر التنظيمية الرسمية.