من المنفى إلى الاستقلال: كيف شكلت عودة الملك محمد الخامس نقطة تحول في تاريخ المغرب

 

يعيش الشعب المغربي، غدًا السبت، أجواء مفعمة بالفخر والاعتزاز وهو يحتفي بالذكرى الـ69 لعودة جلالة المغفور له محمد الخامس من المنفى، وهي لحظة تاريخية غيّرت مسار البلاد وأسست لمرحلة جديدة من الحرية والاستقلال. تعد هذه المناسبة مناسبة للتأمل في قيم التضحية والوحدة التي جسّدتها علاقة العرش بالشعب، التي مثّلت نموذجًا فريدًا في مواجهة الاستعمار وتحقيق السيادة الوطنية.

نفي الملك: بداية الشرارة الوطنية

بدأت ملامح هذه المرحلة التاريخية في 20 أغسطس 1953، حين أقدمت سلطات الاحتلال الفرنسي على نفي الملك محمد الخامس وأسرته إلى كورسيكا ومنها إلى مدغشقر، في محاولة لكسر روح المقاومة الوطنية. إلا أن هذا الفعل الاستعماري أطلق العنان لانتفاضة شعبية واسعة، عبّرت عن الرفض القاطع للمساس بالشرعية الوطنية ورمزيتها.

 

لقد جسّد نفي الملك معاناة اجتماعية كبرى، حيث كان القرار بمثابة صدمة عميقة لكل المغاربة الذين رأوا في محمد الخامس قائدًا ورمزًا للنضال الوطني. أُجبرت الأسر على مواجهة القمع الاستعماري في المدن والقرى، ووجدت الحركة الوطنية نفسها أمام مسؤولية تاريخية لتعبئة الشعب وتوحيد الجهود لإعادة الشرعية.

 

شهدت تلك المرحلة أبهى صور التضامن الاجتماعي، حيث توحّد الشعب بكل فئاته في وجه القمع الاستعماري. تفجّرت انتفاضات شعبية عارمة شملت كل أرجاء المغرب، وظهرت الخلايا الفدائية والتنظيمات السرية، التي دشنت عمليات بطولية استهدفت رموز الاحتلال ومصالحه. كما ساهمت النساء في تعزيز روح المقاومة من خلال دعمهن اللوجستي والمعنوي للمجاهدين، ما يعكس دورهن المحوري في الحراك الوطني.

 

عودة الملك: فجر الاستقلال وبناء المغرب الجديد

كان يوم 16 نونبر 1955 يومًا فارقًا في تاريخ المغرب، حين عاد جلالة المغفور له محمد الخامس إلى أرض الوطن حاملاً بشائر الحرية والاستقلال. جسّدت عودته انطلاقة لمرحلة جديدة تُوّجت بإعلان نهاية الاحتلال في 18 نونبر من العام نفسه، حيث أعلن الملك، بجانب ولي عهده آنذاك، جلالة المغفور له الحسن الثاني، عن ميلاد عهد جديد من الحرية وبناء الدولة المستقلة.

 

وقد شدّد محمد الخامس في خطابه التاريخي على أن تحقيق الاستقلال لم يكن سوى البداية، داعيًا إلى الانتقال من الجهاد الأصغر، المتمثل في التحرر من الاستعمار، إلى الجهاد الأكبر الذي يتجسّد في بناء المغرب الحديث وتنميته. ومن بين الرموز التي خلّدت هذه الذكرى، رؤية المغاربة صورة الملك في القمر، وهو تعبير رمزي عن حبهم وإجلالهم للملك الذي كان رمزًا للوحدة الوطنية والنضال ضد الاستعمار. هذا التصور الشعبي يعكس عمق العلاقة الروحية التي جمعت العرش بالشعب في تلك الفترة الحاسمة.

واصل المغرب، في عهد الحسن الثاني، استكمال معركة الوحدة الترابية، فاسترجع سيدي إفني سنة 1969، ثم الأقاليم الجنوبية عبر المسيرة الخضراء سنة 1975. وفي 1979، تم تعزيز الوحدة الوطنية باسترجاع إقليم وادي الذهب، لتتواصل ملحمة التحرير في مشهدٍ يؤكد التلاحم الوثيق بين القيادة والشعب.

الطابع الاجتماعي للتنمية في عهد محمد السادس

في عهد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، أصبحت التنمية الاجتماعية والاقتصادية في صلب التوجهات الوطنية. تتجلى هذه الرؤية في الأوراش الكبرى التي تهدف إلى تحسين معيشة المواطنين عبر مشاريع مستدامة تشمل التعليم، الصحة، والبنية التحتية، مع تركيز خاص على تعزيز الوحدة الترابية.

تمثّل هذه المناسبة فرصة لتذكير الأجيال الحالية بمسؤوليتها في الحفاظ على المكتسبات الوطنية، والاستلهام من التضحيات الجليلة التي بذلها الأسلاف، ليبقى المغرب نموذجًا للتماسك الاجتماعي والسيادة الوطنية.

 

إقرأ أيضا….

يمكنكم مشاركة المقال على منصتكم المفضلة