انطلقت صباح اليوم الخميس 5 دجنبر الجاري أعمال المنتدى الدولي العلمي الذي تنظمه جامعة محمد الخامس بالرباط بالتعاون مع مركز إشعاع للدراسات الجيوسياسية والاستراتيجية، تحت عنوان “اقتصاد الحدود ورهانات الاندماج الإقليمي“. يهدف هذا المنتدى إلى معالجة التحديات الكبرى التي تواجه القارة الإفريقية في مجالات الأمن، الاقتصاد، والسياسة، مع التركيز على إشكاليات الحدود في إفريقيا والعواقب المترتبة على السياسات المتبعة في إدارة هذه الحدود.
الحدود ليست مجرد فواصل جغرافية، بل تمثل مفهوماً معقداً يشمل أبعادًا قانونية، سياسية، اجتماعية وثقافية. من ناحية القانون الدولي، تعتبر الحدود تحديدًا للسيادة، بينما تُعتبر من الناحية السياسية نتاجًا للصراعات بين الدول حول مناطق النفوذ. وفي المقابل، يرى علماء الاجتماع الحدود كواقعة اجتماعية وثقافية حيث تتداخل الهويات والموروثات الثقافية. من جهة أخرى، يعتبر المؤرخون الحدود ظاهرة مرتبطة بالاستعمار الذي ترك بصماته على توزيع الحدود في القارة الإفريقية، مما أدى إلى تغييرات وتجاوزات في شكل الحدود المعترف بها دوليًا.
على الرغم من تنوع النظريات حول مفهوم الحدود، هناك إجماع على أنها تلعب دورًا حيويًا في تحديد الانتماء الوطني للفرد، ما يمنحه حقوقًا وواجبات تجاه وطنه. كما أن الحدود تؤدي وظيفة أساسية في تأمين الأراضي وحمايتها من التهديدات الخارجية وتنظيم حركة الأفراد والبضائع والخدمات بين الدول. لكن في الوقت نفسه، تثير هذه القضايا توترات سياسية وأمنية بين الدول، حيث أن النزاعات الدولية تتعلق غالبًا بـ إدارة الحدود.
تتمتع المناطق الحدودية في إفريقيا بأهمية اقتصادية كبيرة، حيث تحتوي على موارد طبيعية وثروات معدنية هائلة، وتعد مناطق مهمة للتبادل التجاري بين البلدان. ومع ذلك، فإن التوترات السياسية و التنافس على إدارة هذه الحدود غالبًا ما تحول دون استثمار هذه الفرص بشكل فعال، مما يؤدي إلى مشاكل اقتصادية وأمنية واجتماعية. ورغم هذه التحديات، يمكن أن تكون المناطق الحدودية فرصًا كبيرة لتنفيذ مشاريع اقتصادية وتنموية إذا تم تفعيل آليات التعاون الإقليمي بين الدول المتجاورة.
في سياق التغيرات السياسية والجيوسياسية السريعة في إفريقيا، تتزايد التحديات الأمنية والاقتصادية في المناطق الحدودية، خاصة في ظل تهديدات مثل الإرهاب و الانفصال، ما قد يؤدي إلى تصعيد النزاعات العسكرية. رغم ذلك، تشهد القارة تطورًا في مفهوم التعاون عبر الحدود، حيث ظهرت مناطق اقتصادية حدودية في بعض المناطق، خاصة في الدول النامية، التي تهدف إلى تحويل المناطق الحدودية من بؤر للتوتر إلى مراكز للتعاون و التكامل الإقليمي. وتقدم تجارب بعض الدول المجاورة، مثل دول مجلس التعاون الخليجي، نموذجًا مهمًا في هذا الاتجاه.
بالنسبة للقارة الإفريقية، تمثل الحدود مصدرًا للتحديات المستمرة، لكنها في الوقت ذاته فرصة للتعاون والتنمية. يسعى المنتدى العلمي إلى بحث سبل تعزيز التعاون بين الدول الإفريقية، وتطوير استراتيجيات مشتركة لتحسين إدارة المناطق الحدودية وتعزيز التكامل الاقتصادي. رغم الظروف الصعبة التي تمر بها بعض مناطق القارة، مثل التوترات السياسية والانقلابات العسكرية، يظل المغرب يعمل على تعزيز دوره كمحور استراتيجي في إفريقيا، من خلال تعزيز التعاون جنوب-جنوب، والبحث عن حلول مشتركة للمشاكل الاقتصادية والأمنية التي تواجهها القارة.
تستمر المملكة المغربية في تعزيز الروابط مع البلدان الإفريقية، وخاصة في منطقة غرب إفريقيا، من خلال مشاريع اقتصادية وتجارية متنوعة، مثل مشروع أنبوب الغاز الأطلسي الأفريقي. هذه المبادرات تعتبر تجسيدًا للرؤية المغربية في تعزيز التعاون الإقليمي و الإفريقي، حيث يظل المغرب يراهن على تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة عبر تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع دول القارة.
من خلال هذا المنتدى، يسعى المشاركون إلى استكشاف سبل تجاوز التحديات المرتبطة بالحدود الإفريقية والعمل على تطوير آفاق التعاون بين البلدان الإفريقية لتحقيق التكامل الإقليمي، مما سيوفر فرصًا اقتصادية جديدة، ويعود بالنفع على شعوب المنطقة، ويسهم في تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي في القارة.
وفي هذا الإطار، أكد علي الأنصاري، مدير مركز تنبكتو للدراسات، على أن المبادرات الملكية التي أطلقها المغرب بشأن إفريقيا، وخاصة إفريقيا الغربية، تعكس رؤية استراتيجية تهدف إلى تعزيز دور المغرب كمحور أساسي في القارة، وتوفير فرص التنمية المستدامة من خلال تعاون إقليمي فعال.