مدونة الأسرة المغربية: صراع الأدوار بين حقوق المرأة وقلق الرجل

تم إلغاء الآلاف من عقود الزواج بسبب تعديلات مدونة الأسرة  شائعة كاذبة سرعان ما انتشرت كالنار في الهشيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، محدثةً جدلًا واسعًا حول مصير منظومة الأسرة المغربية. في مواجهة هذه المزاعم، خرجت الرابطة الوطنية للعدول عن صمتها لتنفيها بشكل قاطع، مؤكدةً أن ما يروج لا يمت للحقيقة بصلة.

وأكّد رئيس الرابطة الوطنية للعدول في المغرب، بوشعيب الفضلاوي، عبر تصريحات صحافية، أن ما يروج حول إلغاء مواعيد إبرام عقود الزواج أخبار غير صحيحة”، موضّحا أن المقترحات التي يتمّ النقاش بخصوصها “لن يتم تنزيلها على أرض الواقع، إلا بعد إعداد مشروع القانون والمصادقة عليه”.

وفيما دعا الفضلاوي، المغاربة، إلى تمحيص المعلومات التي يتلقونها قبيل تصديقها وترويجها  ، أبرز أن مواعيد عقود إبرام الزواج ارتفعت أعدادها ولم تُلغ ومن يروجون أخبار الإلغاء عليهم أن يأتوننا بحالة واحدة .

 

خلال هذا التقرير رصدت صحيفة مغربنا 24   جُملة من الآراء التي أثارت جدلا واسعا، منذ اللحظات الأولى من كشف وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، عن مقترحات تعديلات القوانين المرتبطة مدوّنة الأسرة ، لتحاول الجواب على سؤال يتم تسليط الضوء عليه: هل المقترحات المُعلنة تظلم الرجال حقّا

 

 

 

 

 

صراع الأفكار: جدل يطال القوانين المقترحة
من جهته، أثار محمد الفيزازي، رئيس “الجمعية المغربية للسلام والبلاغ”، جدلًا كبيرًا بتصريحاته حول ما وصفه بـ”الحقوق الجديدة المقدمة للنساء”، واعتبرها تحديًا للاستقرار الأسري. وكتب عبر حسابه على “فيسبوك”: “هنيئًا للرجال بالعزوبة، وهنيئًا للعوانس بعنوستهن”.

تصريحاته أثارت ردود فعل متباينة بين مؤيد ومعارض. بينما اعتبر البعض أن التعديلات تمثل خطوة نحو تمكين النساء، رأى آخرون أن هذه الحقوق قد تزيد من عزوف الشباب عن الزواج.

 

الزوايا الفقهية والقانونية:المراجعة ضرورة أم رفاهية؟
انتقد القيادي السابق بحزب العدالة والتنمية، أحمد الريسوني، ما وصفه بـ”التوجه العام للاجتهاد الرسمي”، معتبرًا أن التعديلات تضغط على الرجل في كل مراحل حياته. وأضاف أن هذه التوجهات قد تؤدي إلى آثار سلبية على الأسرة والمجتمع، مؤكدًا أن المرأة قد تحصل على مكاسب قانونية، ولكن وجود الزوج نفسه سيصبح تحديًا.

في خطوة تعكس الحرص على توافق شامل، دعا الملك محمد السادس المجلس العلمي الأعلى إلى “مواصلة الاجتهاد البناء في قضايا الأسرة”، مشددًا على ضرورة مواكبة متطلبات العصر مع احترام النصوص القطعية. كما أُطلقت منهجية استشارية تضمنت إشراك مختلف الفاعلين للوصول إلى رؤية موحدة.

 

من زوايا المجتمع المدني: “الاختلاف حيوية مجتمعية”

أشادت الناشطة الحقوقية المسؤولة بمنتدى الزهراء (شبكة نسائية) صالحة بولقجام بتفعيل الضوابط التي وضعها الملك بإحالة الإصلاحات المتعلقة بالجوانب ذات الطبيعة القضائية والمدنية إلى أهل الاختصاص، وإحالة الجوانب المرتكزة على نصوص الشريعة الإسلامية إلى المجلس العلمي الأعلى.

وثمنت بولقجام رفض كل المقترحات المتعارضة مع النصوص القطعية، على حد تعبيرها، مع فتح باب الاجتهاد في مجال التحولات الأسرية على المستوى القيمي والاجتماعي.

من جانبها، وصفت منسقة ائتلاف دنيا (شبكة نسائية) أمال الأمين  الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالظاهرة الصحية والضرورية، والتي تعكس حيوية المجتمع وحرصه على تطوير منظومته القانونية بما يتماشى مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية

 

 أوضحت المتخصصة في قانون الأسرة، نجاة البقالي: “ما يتداوله المغاربة هو مجرّد مقترحات للتعديلات، لم تدخل بعد حيز التنفيذ، وهذه المقترحات جاءت بعد تبني الحكومة منهجية استشارية بتعليمات ملكية، تلقّت خلالها مقترحات مختلف التوجهات للوصول إلى توافق لم يكن يسيرا”.

وأكدت البقالي، عبر تصريحات صحافية، أنّ: “هذه التعديلات لم تصل حتى إلى البرلمان، حيث ينتظرها نقاش حاد تحت قبة البرلمان بعد المصادقة عليها من قبل مجلس الحكومة، قبل أن تتحوّل إلى قوانين مُلزمة

 

قالت الباحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية، مريم بليل إنه: “في عرف التشريع، إن القوانين التي تخضع لمسطرة تشاورية بإشراف ملكي، وإشراك جل المؤسسات، يتم الحسم فيها غالبا خلال هذه المرحلة الجارية. وإلاّ لماذا الخوض في هذه المرحلة التي استثمر فيها وقت ومجهود وعمل المؤسّسات

يبقى الرّهان على النخبة البرلمانية في أن تكون هناك تعديلات جوهرية في الخطوط الكبرى التي تم تحديدها في هذه المرحلة

عبرت مريم ابلي لا ترى أنه سيكون هناك تعديلات كبرى على مستوى البرلمان، بحكم التوازنات بين الأغلبية والمعارضة، ثمّ إنه بالقراءة في بلاغات الهيئات التابعة مثلا للعدالة والتنمية نرى أن هناك اتّفاقا كبير

 

إثر ذلك، أردفت بليل بالقول: “إن كان هناك تغييرات، فإنها ستكون انطلاقا من ضغط المجتمع المدني

 

أشادت الناشطة الحقوقية المسؤولة بمنتدى الزهراء (شبكة نسائية) صالحة بولقجام بتفعيل الضوابط التي وضعها الملك بإحالة الإصلاحات المتعلقة بالجوانب ذات الطبيعة القضائية والمدنية إلى أهل الاختصاص، وإحالة الجوانب المرتكزة على نصوص الشريعة الإسلامية إلى المجلس العلمي الأعلى.

وثمنت بولقجام رفض كل المقترحات المتعارضة مع النصوص القطعية، على حد تعبيرها، مع فتح باب الاجتهاد في مجال التحولات الأسرية على المستوى القيمي والاجتماعي

 

التخوفات التي يعبر عنها المواطنون على مواقع التواصل الاجتماعي ترتبط في جانب كبير منها بغياب تواصل فعال مع المجتمع، وتقديم التوضيحات والتفسيرات المبسطة للمسائل المطروحة. فليس الجميع يمتلك خلفية قانونية أو تحليلية تمكنه من فهم التفاصيل الدقيقة. هذا الفراغ في التواصل يؤدي إلى انتشار تصورات خاطئة، مثل الاعتقاد بأن التغييرات ستطبق فورًا، دون إدراك أنها تتطلب إجراءات تنظيمية وتحويلها إلى قواعد قانونية قد تختلف جوهريًا عما تم فهمه بشكل أولي. لذا، يصبح من الضروري سد هذه الفجوة التواصلية لضمان وضوح الرؤية وطمأنة المواطنين

 

في ظل هذا السجال، دعا الملك المجلس العلمي الأعلى إلى “مواصلة التفكير والاجتهاد البناء في قضايا الأسرة، من خلال إنشاء إطار مناسب داخل هيكلته لتعميق البحث في الإشكالات الفقهية التي تطرحها التطورات المحيطة بالأسرة المغربية، بما يتماشى مع متطلبات العصر”، وذلك في سياق مقترحات تعديل مدونة الأسرة التي تهدف إلى مواكبة التحولات الاجتماعية والثقافية في المملكة.

يمكنكم مشاركة المقال على منصتكم المفضلة