في أروقة مواقع التواصل الاجتماعي المغربية، تحوّل النقاش الجاد حول مدونة الأسرة إلى مادة ساخرة بامتياز، حيث تصدرت النكتة والميمات الساحة، معبرين عن جوانب عدة من الثقافة المغربية في التعاطي مع القضايا الاجتماعية المثيرة للجدل.
البداية: الجدل حول التعديلات المقترحة
مع طرح مقترحات تعديل مدونة الأسرة، اشتعل النقاش حول مواضيع حساسة مثل المساواة في الإرث، زواج القاصرات، والولاية الشرعية. وبينما عبّر البعض عن آرائهم بجدية في وسائل الإعلام والندوات، انتقلت المعركة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث هيمنت السخرية والمزاح على المشهد.
منشورات مثل: “لماذا لا نوثق الزواج بالفاتحة فقط لتجنب النفقة المزدوجة على الطليقة وزوجها الجديد؟” و*”بعد المدونة الجديدة، فكّر مرتين قبل الزواج”*. اجتاحت منصات مثل فيسبوك وإنستغرام. المؤثرون والمؤثرات استغلوا هذه المواضيع لتحفيز النقاش أو ربما إثارة الجدل، فيما اعتبره البعض استغلالًا غير مسؤول لقضية ذات أبعاد اجتماعية عميقة.
النساء بين التوضيح والدفاع
في المقابل، ظهرت أصوات نسائية مؤثرة على مواقع التواصل لتفسير التعديلات المقترحة، وغالبًا ما قُدّمت هذه التفسيرات على أنها مكتسبات تهدف إلى رفع الحيف عن النساء. الفنانات والناشطات النسويات مثلًا، قدّمن المدونة على أنها خطوة نحو إنهاء الهيمنة الذكورية داخل الأسرة، مما أثار حفيظة جزء من الجمهور، الذي لجأ بدوره إلى الرد بالسخرية أو النقد.
في تصريح خصت به صحيفة مغربنا 24، أشارت رجاء حنين، منسقة مراكز الاستماع بجمعية تحدي المساواة والمواطنة، إلى أن الجمعية تعد عضوًا في ائتلافات نسائية تعمل من أجل مدونة أسرة قائمة على المساواة والكرامة. وأوضحت أن غياب المؤسسات الحكومية فيما يتعلق بتوضيح مقترحات تعديل المدونة يؤدي إلى سوء فهم المواطنات والمواطنين لحقوقهم، مما يستدعي تصحيح المغالطات والتواصل الفعّال.
وبيّنت أن عدم وضوح الأمور يساهم في استمرار الممارسات التمييزية ضد النساء، ويؤدي إلى غموض ينعكس على قرارات المجتمع تجاه التعديلات. وأضافت أنه لتحقيق فهم صحيح للمقترحات الجديدة، يجب تنظيم حملات توعوية وتحفيزية عبر وسائل الإعلام المختلفة، بما في ذلك الحملات داخل المجتمع.
وأكدت على ضرورة إشراك النساء المعنيات بالتعديلات في الحوارات المجتمعية لضمان فهم شامل لحقوقهن وواجباتهن. كما أشارت إلى أهمية دور الجمعية في الإرشاد القانوني وتنظيم دورات تدريبية للنساء لتمكينهن من حقوقهن.
واختتمت تصريحها بالتأكيد على أهمية تحسين آليات التواصل بين الحكومة والجمعيات النسائية، من خلال تنظيم اجتماعات ومنصات حوار منتظمة وتقديم معلومات مبسطة عبر الإنترنت والتكنولوجيا، بما يشمل تطبيقات هاتفية تسهّل وصول النساء إلى استشارات قانونية ومعرفة حقوقهن في إطار مدونة الأسرة.
علي الشعباني: مدونة الأسرة تعكس صراعًا عميقًا بين مرجعيات ثقافية وإيديولوجية متناقضة في المغرب
صرّح علي الشعباني، الأستاذ الباحث في علم الاجتماع في حديثه لصحيفة مغربنا 24 ، بأن الانتقادات الموجهة للتعديلات المقترحة على مدونة الأسرة، والتي تحوّلت في كثير من الأحيان إلى سخرية، يمكن تفسيرها من منظور سوسيولوجي يعكس رفض المجتمع المغربي لبعض هذه التعديلات.
وأوضح أن المغاربة يعتبرون الأسرة مؤسسة مقدسة ترتبط بجذور ثقافية ودينية وتراثية عميقة، ما يجعل المس بأي من مكوناتها مسألة شديدة الحساسية.
وأضاف الشعباني أن المجتمع المغربي، كونه مجتمعًا محافظًا، يتعامل مع الأسرة باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من هويته الثقافية والدينية. وأشار إلى أن كثيرًا من المبادئ المتعلقة بالأسرة، مثل الإرث والكفالة، تستمد شرعيتها ليس فقط من التشريعات الدينية، ولكن أيضًا من العادات والتقاليد المتوارثة. ونتيجة لذلك، فإن أي محاولة للمساس بهذه المبادئ أو تعديلها تُقابل بالرفض وأحيانًا بالسخرية، لكونها لا تتماشى مع القيم والمعتقدات السائدة.
وأبرز الشعباني الدور الحاسم الذي أصبحت تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل ردود الأفعال المجتمعية، مشيرًا إلى أن هذه المنصات لم تعد مجرد أدوات للنقاش، بل باتت فضاءً مؤثرًا قادرًا على صياغة الرأي العام وتوجيهه، سواء بالإيجاب أو السلب.
وأشار الباحث إلى أن النقاش حول التعديلات المقترحة كشف عن انقسام واضح بين تيارين رئيسيين في المجتمع التيار المحافظ، الذي يتمسك بالمبادئ الدينية والأعراف التقليدية. و التيار الحداثي، الذي يسعى إلى إحداث تغييرات تتماشى مع رؤيته للتقدم والتحديث.
وأوضح المتحدث أن الصراع بين هذين التيارين ليس فقط اجتماعيًا، بل هو في جوهره ثقافي وإيديولوجي، يعكس مرجعيات متناقضة يصعب التوفيق بينها.
شدد الشعباني على أن هذا الصراع لا يمكن إرجاعه إلى غياب التوضيحات أو نقص التحليل بشأن التعديلات المقترحة، بل إلى تمسك كل طرف برؤيته الخاصة حول الأسرة وهويتها. وأكد أن هذه الجدلية تعكس في العمق تناقضًا بين توجهين ثقافيين كبيرين، مما يجعل الحوار بينهما أمرًا بالغ التعقيد.