كتبت مجلة “العربي” الكويتية أنه في المغرب، كل مدينة أشبه ببلد عامر بتاريخه وحاضره، متنوع في تضاريسه، متعدد في ألسنة بنيه، ومع كل شروق شمس ثمة حكاية تروى، ومع غروبها ثمة حكاية تستيقظ.
وأضافت المجلة، في مقال ضمن عددها لشهر نونبر بعنوان “المغرب ..ذاكرة الأمس منقوشة على وهج الحاضر“، متنقلة بين مكناس وفاس وطنجة وتطوان وشفشاون مرورا بـأصيلة، إنه “لا تكاد تقول المغرب إلا وتنهض نجمة في أقصى بقعة على اليابسة، هناك في أقصى تخوم الامتداد العربي، حيث تنعكس جمالا على صفحة ماء البحر الأبيض المتوسط تحرس مياهه حتى تطمئن على لقائها بالمحيط الأطلسي”.
وعن مدينة مكناس ذكرت المجلة التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أن تأسيسها يعود إلى القرن الثامن الميلادي، وعاشت مجدها مع مجيء المرابطين إليها، فأنشأوا القصبة المرابطية، وأقاموا مسجد النجارين، وعرفت نهضة عمرانية وحضارية كبيرة، وفي عهد الموحدين شهدت هجرة عدد كبير من الأندلسيين إليها، فرارا من الأحداث في موطنهم فاستقروا فيها، وفي عهد الدولة العلوية استعادت مكانتها كعاصمة لدولتها، لكن جاء المنتصف الثاني من القرن الثامن عشر للميلاد ليشهد فقدان المدينة لمكانتها السياسية وانتقالها إلى جارتها فاس.
وأضافت أن تاريخ المدينة التليد “يأخذنا أكثر، فنمضي في تلك الأزقة، حيث في كل حي مسجد ونافورة أشبه بماء السبيل وفرن، وعبر تلك الممرات كنا نتنفس تاريخ المدينة يحملنا على وقع نبضاته، زقاق يتلوى بين الجدران المتقاربة وصولا إلى ممرات تتفرع داخل السوق، بين محلات صغيرة تعرض أزياء وحلويات ومفارش صوفية، وصولا إلى درب الحرير، حيث السوق الذي تتبدى فيه قوالب الخيوط كلوحات فنية”.
وتناول المقال مدينة فاس التي تطل “ببيوتها ومساجدها، و محلات بيع الجلديات والأزياء المغربية الأنيقة، وبائعي الشرابيل (الأخفاف المغربية)، مرورًا بمحلات تكاد تغص بالتحف التي تحتويها بواطنها، وليس ببعيد عنا جامع القرويين، أقدم جامعة في العالم منذ أن تأسس في أواسط القرن التاسع، بذلك الشموخ المهيب، ومقابله هناك مدرسة العطارين” هذه المدرسة التي وصفها المقال بالأيقونة واللوحة الفنية العامرة بالجمال، والتي تزينها منمنات ونقوش على الخشب والجبس وآيات قرآنية نقشت بخط عربي مغربي.
ومضى كاتب المقال أن من أمكنة مدينة فاس تنبعث روائح الماضي، وكذلك من حيطانها التي تقاوم جريان القرون على ترابها، ومن جلدياتها المدبوغة، وتناول بعضًا من معالمها البارزة من باب بوجلود، وإلى المدرسة البوعنانية معرجًا على الزاوية التيجانية حيث “تكاد تسمع صوت ابتهالات شيوخها ونبض قلوب مريديها، وصولًا إلى مزار المولى إدريس كأني به يعلن هناك إقامة عاصمة دولته، فيعبرك التاريخ، أيها السائر في لحظات، لتجد نفسك في القيسارية لعلك تمتحن قدرتك على الصبر وأنت تسير بين حلي وأقمشة فاخرة”.
وفي فاس أيضًا، يضيف كاتب المقال، ثمة أسواق أخرى تستدعيك لتسمع أصوات نغماتها، حيث الصفارين والنحاسين يضعون لمساتهم بمحبة طاغية، فعلك تسير إلى دار البطحاء، ذلك القصر القديم بمعماره العربي والإسلامي، فتجد فنون فاس تنبض بالحيوية، وهو يستقبل العازفين في مهرجان الموسيقى الروحية العالمية كعادته في شهر يونيو من كل عام.
وتطرق المقال لمدينة أصيلة “التي تمضي عمرها على الشاطئ الأطلسي فتستعيد جماليات المكان وسحره حينما تسير في دهاليز المدينة العتيقة، بتلك الفضاءات الملهمة، حتى الحيطان الصماء تشعر أنها خامة ورقية تنتظر بدء الرسم عليها، أما الأبواب فهي أفق يشع، أزرقًا أو أخضرًا، حياة تستشعرها ما أن تدلف من أي أبوابها أردت”.
ويضيف “وبمدينة طنجة يقود التاريخ إلى فضاءاتها كأنما هذه المدينة أزلية حقًا، كما أدرجها عدد من المؤرخين والجغرافيين، فبين ساحة محمد الخامس والجامع في زاوية منها، ومداخل أسواقها، وحاراتها، وصولًا إلى البحر كانت الانتماءات التاريخية لمدينة طنجة عامرة بالكثير، تستوقف الزوار هنا وهناك”.
ومضت رحلة مجلة “العربي” عبر المدن المغربية وصولًا إلى “مدينة الحمامة البيضاء أو تطوان التي بقيت على العهد، وفية لمرورنا .. وقد وضعت رمز السلام لتنعت به، فكيف لمدينة تسمى بمجسم هي من وضعته في أحد الدوارات بوسطها لولا إيمانها بالمعنى؟! فكانت الحمامة البيضاء تكاد تنهض من تمثالها لتصافح بأجنحتها الزائرين وهم يتمعنون في بهاء ذلك البياض، والمدينة من حولها”.
وأضاف المقال “بذات اللون الأنيق تقتعد ساحل البحر الأبيض المتوسط على مسافة تقدّر بنحو ستة كيلومترات، كجميلة جاءت من الزمن الأندلسي، تكشف عن حسنها بعد عبور تلك جبال وأودية وسهول خضراء، عبر الريف الأنيق، والحقول التي يشق تربتها الفلاحون لتنهض زيتونا وقمحًا، فيشرق دوار الشمس تحت أشعة شمس تخاتل الفضاء من خلف غيوم تتشكل كأنها تكمل اللوحة الأرضية بجماليات سماوية، مشفوعة بالبياض أيضًا، وتدرك أنها تعيش نهضة زراعية حيث سفوح الجبال مهيأة لنهوض عشرات الآلاف من أشجار الزيتون”.
وعن مدينة شفشاون كتبت المجلة وكأن “الزائر يقف أمام لوحة حقيقية، مهما أوتيت من مهارة في التصوير فلا تبلغ ذلك الإحساس الذي تشكله فسيفساء البيوت وهي تكاد ترتفع فوق بعضها البعض على امتداد التلة التي تتكىء عليها بسحر اللونين الأبيض والأزرق”.
إنها “جوهرة الريف“، يضيف كاتب المقال، بما تحتويه من شلالات ومغارات وطبيعة خلابة متدثرة في موقعها الخصب بين جبال «القلعة» و«ميغو» .. حتى إذا سرنا صوب «عين الماء» أخذتنا في تلابيب سحرها، وجماليات احتفائها باللون الأزرق، ترتديه حتى حيطان بيوتها الملتفة على أزقة وممرات صغيرة، تسير في الزرقة على نحو مدهش كأنما طليت للتو لفرط اللمعان في اللون، فيما الماء يسير في بطن الوادي على عدد من الينابيع.
وبحسب كاتب المقال تتشابه المدن القديمة، ببواباتها وسورها، بدهاليزها ودكاكينها الصغيرة، بفضاءاتها المكشوفة على حياة تنهض من عمق الأمس لتصافح اليوم، في تشابهها معنى بليغ، لا يضرها أن تكون متناسخة من بعضها البعض، بل يقودك هذا إلى استدعاء الأمكنة السابقة لتراها فيما حولك من جديد، لكن ثمة أرواح تطوف تخبرك أن ما تراه من متشابه خلفه ما هو مختلف، وعليك أن تكتشفه أيها السائح، ضمن ما تريد اكتشافه في هكذا بلاد.