في مثل هذا اليوم، منذ 533عامًا، شهدت الأندلس لحظة مفصلية في تاريخها. في الثاني من يناير عام 1492، وقع آخر ملوكها، أبي عبد الله الصغير، معاهدة الاستسلام مع الملكين الكاثوليكيين فيرناندو وإيزابيلا، ليُسلم مفاتيح الحكم إلى الإسبان، منهيا بذلك ثمانية قرون من الازدهار الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبيرية. في تلك اللحظة، غابت شمس الإسلام عن الأندلس، ولتغلق بذلك صفحة من أعظم فصول الحضارة الإسلامية.
خلال حكم المسلمين، شهدت الأندلس نهضة حضارية غير مسبوقة، حيث أضاءت مدنها سماء العلم والمعرفة، وازدهرت في العلوم، الاقتصاد، العمران، والحياة الاجتماعية. كانت تلك المدن بمثابة منارات للعلماء والمثقفين من شتى بقاع الأرض، في وقت كانت أوروبا غارقة في عصر الظلمات. وكانت قرطبة، في ذروتها، تُعد واحدة من أرقى مدن العالم، كما وصفها المؤرخ الأمريكي فيكتور روبنسون، الذي قال: “أوروبا كانت في ظلام حالك، بينما كانت قرطبة تُضيء المصابيح، وفي الوقت الذي كانت فيه أوروبا غارقة في الوحل، كانت قرطبة مرصوفة الشوارع.
لكن مع سقوط غرناطة، آخر معاقل المسلمين في الأندلس، بدأت مأساة المسلمين في الأرض التي عاشوا فيها قرونًا. كانت البداية بإجبارهم على اعتناق المسيحية، ثم بدأ الاضطهاد والقمع بأبشع أساليبه، من قتل، اغتصاب، وحرق للممتلكات والكتب. استمر هذا الكابوس أكثر من مئة عام، وصولاً إلى إصدار مرسوم الطرد في عام 1609، الذي أجبر المسلمين على مغادرة الأرض التي عاشوا فيها لقرون.
كانت معاهدة تسليم غرناطة قد حددت 67 شرطًا لحماية المسلمين، وكان من بين أبرزها حمايتهم في أرواحهم وأموالهم، وحقهم في ممارسة دينهم بحرية. لكن تلك العهود سرعان ما نقضها الحكام الإسبان، حيث فُتحت أبواب محاكم التفتيش التي ارتكبت فيها مجازر بحق المسلمين، ونهبت ممتلكاتهم وحضارتهم، وأحرقت الكثير من كتب العلم والمعرفة التي تركوها وراءهم.
هكذا، تحولت الأندلس من جنة العلم والحضارة إلى ميدانٍ للمعاناة والدمار، لكن أثر المسلمين في الأندلس ظل خالداً في الذاكرة، محفورًا في الأرض والنفوس، شاهداً على عظمة حضارة كانت يومًا ما منارة للعلم والتقدم.