تزينت العاصمة الرباط على استحياء لاستقبال العام الجديد، حيث لم تتكلف المدينة بإبراز مظاهر الاحتفال المعهودة التي تشهدها عواصم عالمية. وبالرغم من أجواء البرد ، زينت بعض المحال التجارية واجهاتها بـ أشجار الميلاد والأضواء، مما أضاف لمسة من الاحتفال في المدينة.
وفي شوارع الرباط، يعرض بعض الباعة المتجولين دمى لشخصية “سانتا كلوز” أو بابا نويل، التي ترتبط بعيد الميلاد في الثقافة المسيحية، حيث يتجمع الصغار حوله لالتقاط صور تذكارية ورغم برودة الطقس، يخرج البعض من الشباب للاحتفال بليلة رأس السنة في المدن الكبرى، رغم انشغالهم بالاستعداد لامتحانات نهاية الفصل الدراسي الأول.
الاحتفالات تتجاوز الطبقات الاجتماعية
لا تقتصر احتفالات رأس السنة الميلادية في المغرب على النخب أو الفئات الاجتماعية الميسورة، بل أصبحت تلامس جميع مكونات المجتمع المغربي. هذه المناسبة، بالنسبة للكثيرين، تمثل فرصة لاستحضار تجارب العام المنقضي وتقييم الذات استعدادًا لاستقبال عام جديد. وباتت الاحتفالات بليلة رأس السنة تمتد عبر جميع الطبقات الاجتماعية، بما في ذلك الفئات الهشة، وهو ما يعكس تغيرًا ملحوظًا في طبيعة هذه الاحتفالات مقارنة بما كانت عليه في السابق.
في المقابل، يرفض البعض الاحتفال بهذه المناسبة، معتبرين أن ذلك يمثل تقليدًا مغربيًا للثقافات الغربية وتهديدًا للهوية العربية الإسلامية. لكن علماء الاجتماع يرون أن الاحتفال برأس السنة في المغرب لا يتعدى كونه طقسًا احتفاليًا بعيدًا عن أي فهم ديني. “المجتمعات أصبحت منفتحة بفعل العولمة، ولم نعد نتحدث عن ثقافات مغلقة، بل عن ثقافة شاملة تعرف بالتثاقف”، كما يقول أحد الباحثين السوسيولوجيين.
الاحتفال بلا رمزية دينية
دكتور محسن بنزاكور، المتخصص في علم النفس الاجتماعي، في حديثه لصحيفة مغربنا 24 يشير إلى أن المغاربة يعشقون الاحتفالات على مر العصور. “المغاربة لا يفوتون مناسبة دون الاحتفال بها، سواء كانت دينية أو وطنية”، يقول بنزاكور. ويضيف أن المغاربة يحيون هذه الطقوس لكونهم شعبًا يعشق الاحتفال بعيدًا عن الرمزية الدينية التي قد يحملها “البوناني” بالنسبة لبعض الشعوب المسيحية.
وأشار بنزاكور إلى أن الاحتفال برأس السنة في المغرب لا يحمل أي دلالات دينية مسيحية، بل هو مجرد مناسبة لتقييم التجارب والإخفاقات الشخصية قبل استقبال العام الجديد. “المغاربة لا يهتمون بمنطق التحريم، لأن الأمر يعود في النهاية إلى النوايا، وليس هناك مغربي يحتفل بهذه المناسبة كعيد ديني مسيحي.
الاحتفالات من منظور سوسيولوجي
أوضح الباحث السوسيولوجي في تصريح خص به صحيفة مغربنا 24 أن الاحتفال برأس السنة في المغرب لم يعد مقتصرًا على الطبقات العليا فقط، بل أصبح يعكس سوسيولوجية المجتمع المغربي الذي يعشق طقوس الاحتفال. وأكد أن المغاربة يحتفلون بها في إطار شخصي، يعبر عن تقييمي للعام الماضي، بعيدًا عن الأحكام الدينية أو الإيديولوجية التي قد تُلبس لهذه المناسبة.
بينما يعبر بعض المغاربة عن تحفظاتهم تجاه الاحتفال برأس السنة، لا يمكن إنكار أن هذه المناسبة أصبحت جزءًا من طقوس الاحتفال التي تعيشها معظم فئات المجتمع المغربي. إذ لا تعدو هذه الاحتفالات أن تكون فرصة لتجديد الأمل والنظر إلى المستقبل، بعيدًا عن الحملات الإيديولوجية أو الانتقادات الاجتماعية.