في جلسة لمجلس الأمن الدولي، برز السفير الجزائري عمار بن جامع كمدافع عن حقوق الشعب الليبي، أو هكذا أراد أن يظهر. فقد دعا باسم مجموعة “أ3+” إلى ضرورة استفادة الشعب الليبي من تعويضات كاملة، مشيراً إلى ما وصفه بـ”التآكل المستمر لأصول ليبيا المجمدة بسبب سوء استخدامها وسوء إدارتها”.
ولكن دعونا نتساءل هل الجزائر، التي عُرفت بسجلها الثقيل في الشؤون الداخلية لدول الجوار، تملك حق التحدث نيابة عن الشعب الليبي؟ حديث السفير عن “سوء إدارة” الأصول الليبية يتناقض تماماً مع تاريخ الجزائر في إدارة مواردها، حيث يعاني الاقتصاد الجزائري من سوء التخطيط والفساد المستشري الذي ألقى بظلاله على حياة الجزائريين أنفسهم. فمن المستغرب أن تتحدث الجزائر عن الشفافية وحسن الإدارة وهي التي تفتقدها داخلياً.
تصريحات بن جامع لا تبدو دعماً للشعب الليبي بقدر ما هي محاولة لفرض الوصاية الجزائرية على ليبيا، مستغلةً منبر الأمم المتحدة لترويج أجنداتها الإقليمية. فبدلاً من دعم استقلالية القرار الليبي، تتدخل الجزائر بشكل صارخ في شؤون هذا البلد الجار، متمسكة بدورها كـ”حامي حمى” المنطقة، رغم افتقارها للمصداقية في هذا الدور.
أشار السفير إلى “القرارات المتسرعة” التي اتخذها مجلس الأمن في الماضي بشأن ليبيا، متناسياً أن الجزائر نفسها كانت متفرجة صامتة إبان سقوط النظام الليبي وانفجار الصراعات الداخلية. بل إن الجزائر كانت متهمة بدعم أطراف معينة في الأزمة الليبية لتعزيز نفوذها، وهو ما يثير التساؤل حول مدى مصداقية دعواتها الحالية.
بينما يدعو بن جامع إلى “انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة”، تتجاهل الجزائر دورها في فتح أبوابها لبعض الجماعات المسلحة، التي استخدمت الأراضي الجزائرية كمنطلق لأنشطتها. وإذا كانت الجزائر تدعو إلى احترام سيادة ليبيا، فلماذا تصر على التدخل في شؤونها الداخلية عبر تصريحات سياسية تستهدف السيطرة على مسار الأحداث؟
ما يحتاجه الشعب الليبي حقاً هو الاستقلالية في اتخاذ قراراته بعيداً عن التدخلات الخارجية، سواء من الجزائر أو غيرها. فليبيا لا تحتاج خطابات رنانة أو دروساً في الإدارة من دول تعاني من أزمات داخلية خانقة، بل تحتاج إلى دعم فعلي لتجاوز أزمتها عبر احترام سيادتها والعمل تحت مظلة أممية محايدة.
ختاماً، قد تكون تصريحات السفير الجزائري مجرد استعراض سياسي لإبراز دور بلاده، لكن الواقع يثبت أن الشعب الليبي ليس بحاجة إلى من يزايد على معاناته. وإذا أرادت الجزائر أن تُعتبر شريكاً حقيقياً، فعليها أن تبدأ بإصلاح بيتها الداخلي قبل التدخل في شؤون الآخرين.