ثمة علامات فارقة تبقى راسخة في مكانتها الرفيعة على رقعة الترحال المترامية الأطراف… أولاها مراكش الجريحة الآن، لكن الجميلة في كل أوان
ثمة علامات فارقة جغرافية، تبقى راسخة في مكانتها الرفيعة على رقعة الترحال المترامية الأطراف… أولاها مراكش، الجريحة الآن، لكن الجميلة في كل أوان، حتى وإن أثخنتها الجراح. في رحلة تأجّلت مراراً، اصطحبت ماريا شولنبارغر والدتها الثمانينيَّة إلى تلك المدينة المغربيَّة الجميلة. بحسبها، المغرب من البلدان التي تعرفها وتحبّها أكثر من غيرها. ثمّة شيء ما في ثقافاته، العربيَّة والبربريَّة على حدّ سواء، مقنع جداً: فهذه الثقافة غامضة وعامرة بالعاطفة في آن. تقول: “أقمت في قرى منسيّة ورقدت في خيام في صحارٍ حجرية، وشاهدت الشمس المشرقة تضيء القمم الثلجيَّة للأطلس الكبير. من الجديدة إلى كلميم، حاولت (وفشلت) مرات لا تحصى سدّ الفجوة بيني وبين فرنسيتي المتوسطة وكلماتي العربية الخمس أو نحو ذلك”. تستطيع مراكش أن تربك الإنسان في أي عمر على ما يبدو، وقد جالت شولنبارغر ووالدتها في مدرسة بن يوسف التي تعود إلى القرن السادس عشر مع مرشد، ومرّرتا أيديهما على الجدران المبنية ببلاط الزليج والمنقوشة بآيات قرآنية مكتوبة بالجص المنحوت. غامرتا بالعودة إلى الأسواق في المواسين، والتقطت شولنبارغر صوراً لأبواب حمراء في جدران وردية ولشقوق مزخرفة بفوانيس فضيَّة.
المشي في القصبة بالمغرب
مشروعٌ شغوف يتّبع الأسلوب القوطي الحديث أُنجِز بتكليف من مالك قلعة سيغونيولا الأرستقراطي
علامة فارقة ثانية هي قلعة الفنتازيا، وتسمى Castello di Cigognola، والإقامة فيها تشبه النوم في متحف. تعود أساسات هذه القلعة إلى القرن الثالث عشر، شأنها في ذلك شأن عدد كبير من القلاع المماثلة في إيطاليا. وتروي التحصينات حكاية الغاية التي أُنشئت لأجلها؛ إذ أُريد لها أن تكون برج مراقبة ذا موقع استراتيجي عند حدودٍ كانت مضطربة في تلك الأيام، لمراقبة الحركة التجارية ذهاباً وإياباً على طول طريق إميليا القديم. لكن القلعة الحالية جديدة ومريحة؛ إنه مشروعٌ شغوف يتّبع الأسلوب القوطي الحديث، أُنجِز بتكليف من مالك قلعة سيغونيولا الأرستقراطي، دون كارلو أرنابولدي غازانيغا، في منتصف القرن التاسع عشر. في الأعوام الأربعة الماضية، عمل غابريال موراتي وشريكته راقصة الباليه الفرنسية إميلي فويو بهدوءٍ على إعادة إحياء تاريخ التبادل الثقافي الذي اتّسمت به القلعة، ومحوره عروض حيّة ومآدب وثقافة. باشرا معاً تقليداً صيفيّاً خاصاً بهما يجمع بين الفعاليات المختلفة، ابتداءً بالباليه وانتهاءً بالنقاشات الفلسفية. في عام 2023، رشّد الثنائي خططهما ووسّعاها: الترشيد من خلال تقديم العرض (الذي يمكن حضوره بناءً على دعوة فحسب) لأمسية واحدة أقاماها في 17 حزيران (يونيو)، والتوسيع عبر جمع مختلف العناصر السابقة، أي الرقص والموسيقى والتذوّق، وبالطبع، القلعة بحدّ ذاتها في إطار عرض متجوّل في أماكن متعدّدة على مدار ساعات عدّة. أدّى راقصون من Paris Opera عروضاً في فترات محدّدة عبر حدائق ومروج مختلفة، وتخلّل الأمسية تذوّق الشراب وتناول العشاء.
الرسّامة مارو غوركي في محترفها
إلى توسكانا ثالثاً، حيث يقوم ملاذ نابض بالألوان صمّمته الرسّامة مارو غوركي مع زوجها ماثيو سبندر. بحسب فانيسا نيكولسون، مرّ في هذا المنزل كتّابٌ وفنانون وممثّلون وصنّاع أفلام ذائعو الصيت. وقد كان خرابة حين ابتاعاه قبل 55 عاماً. تقول مارو: “كان المكان مقفراً. غرسنا فيه نحو أربعة آلاف شجرة”. راودهما شعورٌ بحياة هنا بعيدة من المدينة، وبتواصلٍ مع الأرض. كانا يحصلان على التيار الكهربائي بشق النفس، وافتقدا إلى المواد البلاستيكية، وغسلا ملابسهما في ماء نبعٍ عند أسفل التلّة. تتحدّث مارو عن شعور محفِّز ينتابها حين تنظر إلى الألوان، “وكأنّها حكّةٌ” في راحتي يدَيها. يتحوّل استخدامها مسحوق الصباغ على الورق إلى ردّة فعل عاطفية على ظلال الألوان. تقول: “لاحظت أن الرسّامين الأكبر سنّاً يلجأون إلى التبسيط ويستخدمون ألواناً أفتح لأنهم لا يبصرون جيداً”. وتلفت إلى أن معرضها الاستعادي هو بمثابة تكريم – بلغت الثمانين من عمرها في 5 نيسان (أبريل) – بالرغم من “أنني الشخص نفسه الذي كنته في سن الخامسة”.
حقيبة Le Pliage Filet شبكية مصنوعة بالجلد والقطن من LONGCHAMP
أما إيبيزا، فهو المكان الذي يعني كثيراً لبيكي فاطمي، التي تسرّ بأسرارها لسارة سِميك، تروي: “إنه مكاني السحري. حين زرتها أول مرة، كان عمري 17 عاماً، كما زرت سان أنطونيو ووجدتها مزدحمة. ثم عرفتني نعومي كامبل إلى جانب مختلف من الجزيرة عندما كنت في منتصف ثلاثينياتي ووقعت في حبها. الآن، أقيم فيها ستة أسابيع في كل عام”. تضيف: “أستأجر الفيلا نفسها قرب جيسوس، وهي فيلا صغيرة وريفية بأربعة أسرّة، وليست لافتة للانتباه على الإطلاق. أحزم ثماني حقائب وأرتدي مجموعة واحدة فقط من الملابس، فيما يجري ابني عارياً. إنها نعمة حقاً”. أما أجمل تذكار حصلت عليه فهو مجموعة من الأصداف جمعتها مع ابنها من شواطئ إيبيزا، تضعها في قوارير وتصنّفها بحسب العام. وكانت فاطمي قد غادرت إيران مع عائلتها في عام 1979 من دون أي شيء، “وكل ما أخذته أمي كان حقيبة صغيرة وضعت فيها مجوهراتها، بما فيها الساعة وخاتم مرصّع بالألماس. كنت أعرف دائماً أننا ننتظر ضيوفاً حين أراها تخرج أكسسواراتها إلى العلن، لذلك كان كل شيء بالنسبة إليّ يتعلّق بالأكسسوارات، منذ كنت طفلة”.