لفظ صباح اليوم، الثلاثاء 3 دجنبر 2024، الفنان القدير مصطفى الزعري ، الذي ترك وراءه إرثا فنيا غنيا ومكانة خاصة في قلوب المغاربة، أنفاسه الأخيرة عن سن يناهز 79 سنة بعد صراع طويل مع مرض عضال.
أعلن إدريس السبتي، رئيس فرع النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية بالدار البيضاء، عن خبر الوفاة، مؤكدًا أن جثمان الراحل سيوارى الثرى في مقبرة الشهداء بعد صلاة العصر، ليفارقنا هذا الفنان الذي كرّس عمره لفنٍ امتزج فيه الألم بالأمل، والحزن بالفرح.
“رحلة العمر” آخر محطة في حياة جبران
آخر ما قدمه مصطفى الزعري لجمهوره كان في المسلسل الدرامي “رحلة العمر“، الذي أضاءت شاشات القناة الأولى بذكريات أبطاله. في هذا العمل، لعب الزعري دور “جبران“، الرجل الذي عاش حياة مليئة بالتضحية والمعاناة. فقد حرمته الحياة من حبّها الأول، صباح، عندما اختار والده أن يكون له نصيبٌ آخر في الزواج، تاركًا إياه يعاني من هجران قلبه. رغم ذلك، ظل جبران يحلم بحبّها الذي كاد أن يكون جزءًا من كيانه.
في المسلسل، لم يكن جبران مجرد شخصية درامية، بل كان رمزًا للألم والصبر، وقوة الإرادة التي لم تنهار في وجه التحديات. وبينما تدهورت حالته الصحية نتيجة مرض الزهايمر، وجد جبران نفسه وحيدًا، لا عائلة له إلا ذكريات صباح. ومع مرور الزمن، توجه إلى دار العجزة، حيث واصل معركته الداخلية مع الزمان والمرض.
لكن القدر كان يحمل له لحظات من الضوء في الظلام، حين اكتشفت صباح معاناته، وبدأت تزوره في دار العجزة، وتعيد إليه شيئًا من ضوء الأمل الذي كاد أن يندثر. في مشهد أخير، وقف جبران أمام البحر، مع صباح، يلتقي فيهما الماضي بالحاضر، ويتلاشى فيه كل شيء عدا الحب الصادق الذي لا يموت. كانت تلك اللحظة رمزًا للأمل الذي يبقى في القلب حتى وإن اعتصره الألم.
إلى الأبد في الذاكرة
ورغم أن مصطفى الزعري قد رحل عنّا، إلا أن شخصياته ستظل حية في قلوبنا، وتحديدا شخصية جبران، التي كانت آخر محطات حياته الفنية. في كل دورٍ قدمه، كان الزعري يروي لنا قصة الإنسان الذي يعيش في دائرة من الصراع الداخلي بين الحب والمرض، بين الحلم والواقع. كان فناً يحمل في طياته عبق الحياة نفسها، بما فيها من قسوة وحنان.
كما كانت رحلة الزعري، مليئة بالدروس والذكريات التي تذكرنا أن الحب يمكن أن يتجاوز كل المسافات والآلام، وأن الإنسان مهما كانت معاناته، يبقى قادرًا على أن يكون له تأثيره في قلوب الآخرين.
رحل مصطفى الزعري، لكن حكاياته التي تركها على الشاشة وفي قلوب جمهوريه ، ستظل تذكرنا بأن الحياة، رغم قسوتها، تستحق أن نعيشها بكل ما فيها.
يُعد الفنان المغربي جزءًا لا يتجزأ من تاريخ وثقافة هذا الوطن، فهو الذي يرسم بفرشاة الإبداع صورًا من حياة الناس وهمومهم، ويجسد آلامهم وأحلامهم في أعمال ستظل خالدة في الذاكرة الجماعية. لكن، مثلما يهتم الفنانون بإثراء المجتمع من خلال إبداعاتهم، فإن المجتمع، بدوره، مطالب بالاعتناء بهم وتقديم الدعم اللازم لهم، خاصة في مراحل حياتهم الأخيرة.
الاعتناء بالفنان المغربي لا يقتصر على تكريمه في المناسبات فقط، بل يجب أن يشمل توفير التأمين الصحي، ودعمه ماديًا عندما يكون في حاجة، وتوفير بيئة تليق بمقامه الإبداعي، خصوصًا في مراحل متقدمة من العمر. إن احترام وتقدير الفنانين يتطلب أيضًا أن تكون هناك آليات عملية لرعاية حقوقهم، سواء على مستوى المعاشات التقاعدية أو الخدمات الاجتماعية التي تضمن لهم حياة كريمة.
الفنان المغربي، مثل مصطفى الزعري الذي رحل عن عالمنا بعد معاناة طويلة مع المرض، يظل جزءًا أساسيًا من هوية المغرب الثقافية. من واجبنا أن نرد له الجميل ونعتني به كما اعتنى هو بنا وبفنونه طوال حياته.