تتوالى فصول التوتر بين الجزائر وفرنسا، وسط مشهد يؤكد هشاشة النظام الجزائري أمام الضغوط الخارجية، رغم صراخه المستمر حول “السيادة” و”القرار المستقل”. فبينما تواصل باريس فرض شروطها بخصوص ملف الهجرة وإعادة المرحّلين، يتخبط نظام الكابرانات في ردود فعل تتأرجح بين التهديدات الجوفاء والمناورات المكشوفة، غير قادر على حسم موقفه من القضايا العالقة، وعلى رأسها ملف الكاتب الصحفي “بوعلام صنصال”.
يبدو أن قضية صنصال لم تعد مجرد ملف قضائي، بل تحوّلت إلى ورقة تفاوضية في يد النظام الجزائري، الذي يهوى استعراض “السيادة المزيفة” كلما ضاق عليه الخناق. فبعد أن روج إعلام النظام لتهم ثقيلة بحقه، من “المساس بوحدة الوطن” إلى “التجسس”، تفاجأ الجميع بتصنيف القضية كجنحة بدلاً من جناية، مما يؤكد رغبة النظام في ترك باب المساومة مفتوحًا. هل هو تمهيد لإطلاق سراحه لاحقًا تحت غطاء “العفو الرئاسي”، أم أن القرار أملته حسابات سياسية مرتبطة بالتصعيد مع فرنسا؟
رغم كل التصريحات النارية التي تطلقها أبواق النظام، فإن خيار التصعيد الحقيقي ضد فرنسا لا يبدو مطروحًا على الطاولة، خاصة عندما يتعلق الأمر بإجراءات مثل طرد السفير الفرنسي أو إغلاق المجال الجوي. فحتى في أوج الأزمات، يدرك الكابرانات أن مواجهة باريس تتجاوز قدراتهم، لا سيما في ظل ارتباط الاقتصاد الجزائري بالأسواق الأوروبية، ووجود جالية ضخمة تعتمد على الرحلات الجوية المباشرة مع فرنسا.
المفارقة أن النظام، الذي يتشدق بالسيادة، لم يحرك ساكنًا أمام الضغوط الفرنسية في ملف الهجرة، حيث نجد الجزائر تُناور دون موقف واضح، مترددة بين استيعاب المرحّلين أو افتعال أزمة جديدة لتشتيت الأنظار عن فشلها. فهل يمكن لنظام يعتمد على تصدير الغاز والنفط إلى أوروبا أن يتحدث عن قرارات سيادية في مواجهة باريس؟
تشير المعطيات إلى أن أبريل المقبل قد يكون شهر الحسم في العلاقات الجزائرية الفرنسية، خصوصًا بعد اعتراف باريس بمغربية الصحراء، وهو القرار الذي أصاب الكابرانات في مقتل. لكن، وكما هو متوقع، فإن السيناريو الأقرب هو أن تستمر الجزائر في استعراض بطولاتها الإعلامية، بينما تقدم تنازلات تحت الطاولة، سواء في قضية صنصال أو غيرها من الملفات، كما لم يبقى لديها سوى سياسة الهروب إلى الأمام، خوفًا من الانفجار الداخلي الذي أصبح أقرب من أي وقت مضى.