توطئة عامة حول موضوع: “مراجعة مدونة الأسرة بين الاجتهاد والاعتدال”

    لئن كان صدور مدونة الأسرة المغربية سنة 2004م حدثا حقوقيا بارزا لا ينكر بفعل ما لقيته من إشادة وإطراء وقبول حسن لدى مختلف فعاليات المجتمع المدني، فإن ما شهدته الأسرة المغربية اليوم من تحولات بحكم التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي مستها، والنصوص القانونية اللاحقة لها والتي أطرتها وعلى رأسها دستور 2011م، يقتضي معه تفعيل المؤسسات الدستورية المعنية بحقوق الأسرة، وتحيين التشريعات الوطنية بما يتلائم ومقتضيات دستور 2011م، والاتفاقيات الدولية التي انخرط فيها المغرب والتي تشكل جزءا لا يتجزء من مجموع الترسانة التشريعية الوطنية.

    ولقد واكب إصدار دستور 2011م وبعده إلى الآن مجموعة اختلالات وسلبيات ناتجة عن سوء تطبيق بنود مدونة الأسرة، وهو ما كشفته الإحصائيات وأبانت عنه التجربة داخل أروقة محاكم المملكة اللتين داقتا ناقوس الخطر معلنتين حدوث ذلك، الشيء الذي أدى إلى تعالي نداءات الحركة الحقوقية على المستوى الوطني ممثلة الفئة المتضررة من أحكامها ومقتضياتها، وأدى ذلك إلى تحريك أقلام نخبة مثقفة من الباحثين والمهتمين بالشأنين القانوني والقضائي مطالبين يإصلاح مدونة الأسرة، وتجاوز العقبات التي حالت دون استكمال المسيرة، ومعتبرين الملاذ والخلاص كامنا في انسجام مقتضياتها مع دستور 2011م تطلعا إلى مغرب اليوم.

   وبعد قرابة عقدين من دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ، استجاب العاهل محمد السادس نصره الله وأيده إلى هذه الصيحات والنداءات، فألقى  في 30 يوليوز 2022م خطاب العرش الذي عرض من خلاله إلى ضرورة المراجعة بقصد الرقي بمؤسسة الأسرة إلى مصاف مختلف المؤسسات الدستورية الكبرى،  قائلا: “وإذا كانت مدونة الأسرة قد شكلت قفزة إلى الأمام فإنها صارت غير كافية لأن التجربة أبانت عدة عوائق تحول دون استكمال المسيرة وتحقيق أهدافها”.

    لذلك، لم يعد خافيا ما لموضوع: “مراجعة مدونة الأسرة بين الإجتهاد والاعتدال”من عظيم أهمية، فبقدر ما يعد مطلبا آنيا وحديث الساعة، فهو يستهدف مؤسسة الأسرة التي يتفاعل معها بشكل يومي جميع مكوناتها رجلا وامرأة وأطفالا، ذلك أن أكثر ما يعيشه الناس قبل وبعد إنما هو في نطاق الأسرة، وبالتالي فالفرصة سانحة والظرفية هذه لمشاركة الأقلام التي جالت وصالت هذا الموضوع الراهني الذي يصب حول تجويد الترسانة الوطنية الأسرية، واستكمال معالم الأسرة بشكل يضمن الرعاية الكافية لمختلف شرائحها وفئاتها.

    وإذا كان هذا الموضوع يضطلع بهذا القدر البالغ من الأهمية، فإن أهميته تحمل في طياتها نوعا من الخطورة والحساسية المفرطة نظرا لما لمطلب مراجعة بنود ومقتضيات مدونة الأسرة من صلة وطيدة بالشأن الديني وبالمرجعية الشرعية التي صيغت على ضوئها، ولا سيما في ظل الاصطدام المرجعي بين مقتضيات الاتفاقيات الدولية والبناء الشرعي لمدونة الأسرة المغربية خصوصا الأحكام المؤطرة منها بنصوص قرآنية قطعية، وقد نبه لذلك الخطاب السامي الذي يقتضي ضرورة الوقوف وقفة تأمل أمام هذا المقتطف: “وبصفتي أمير المؤمنين فإني لن أحل ما حرم الله ولن أحرم ما أحل الله لا سيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية”


اكتشاف المزيد من مغربنا24 - Maghribona24

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

تعليقات ( 0 )

اترك رد